الاحتلال بين الاتفاق الممكن أو التجميد أو الحرب
ناصر قنديل
ـ من قواعد الاتفاق وركائزه القائمة على استبدال خط فريديريك هوف وخط هوكشتاين المتعرّج بالخط الـ 23 وحقل قانا كحقوق لبنانية، وإزالة الحظر عن عمل الشركات في الحقول اللبنانية، إلى صياغة الاتفاق والملاحظات اللبنانية، والتفاوض على الملاحظات، وصولاً الى السعي لإنقاذ الاتفاق بتخفيض سقفه من اتفاق لترسيم الحدود الدولية البحرية إلى اتفاق لرسم خطوط المناطق الاقتصادية، مسار ما كان ليبصر النور لولا الخيارات الضيقة التي وجدت حكومة الاحتلال أنها حُشرت بينها بقوة.
ـ منذ دخول المقاومة بشخص الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على خط مستقبل ثروات النفط والغاز، تغيّرت البيئة الاستراتيجية للتفاوض. وقد كانت لعشر سنوات تتمثل، من جهة، بارتياح الكيان لقدرته على المضي قدماً بالتحضير للبدء بالاستخراج والمتاجرة مقابل إلقاء الحظر الأميركي على أي عمل للشركات العالمية في الحقول اللبنانية. ومن جهة موازية وضع مخرج إلزامي أمام لبنان اختصره هوكشتاين بكلماته الساخرة من اللبنانيين بقوله، انتم تواجهون الانهيار وليس لديكم شيء، فاقبلوا ما يُعرَض عليكم. فجاءت المقاومة في لحظة مؤاتية تتمثل بالخشية الأميركية من حرب جديدة في زمن الحرب الأوكرانية وحاجة أميركية أوروبية ماسة لبدائل عن روسيا لتوريد النفط والغاز، ولحظة انتهاء التحضيرات الإسرائيلية لبدء الاستخراج وتحديد المواعيد للبدء، فرسمت المقاومة بيئة استراتيجية جديدة، قوامها وضع الحظر العسكري على الاستخراج الإسرائيلي لإقامة التوازن مع الحظر السياسي المفروض أميركياً على التنقيب والاستخراج اللبنانيين، من جهة؛ ومن جهة موازية رسم معادلة تقابل معادلة هوشكتاين قوامها، بما أنه ليس لدينا شيء ونواجه الانهيار، فهذان أمران يجعلان الحصول على الحقول المجزية ضمن الحصة اللبنانية أمراً يستحق حرباً، وليس لدينا ما نخسره وإن كسبنا دخلنا النهوض والازدهار، ومن لديه كل شيء هل يستحق الأمر حرباً بالنسبة اليه، قد يخسر فيها كل شيء، بينما اذا اراد ان يتنعّم بعائداته فعليه أن يدفع الضريبة بتخفيف حجم الطمع، وقبول معادلة الحقول مقابل الحقول والاستخراج مقابل الاستخراج.
ـ رغم كل محاولات المناورة السياسية او التفاوضية أو العسكرية التي يقوم بها أركان الكيان، تبقى الأمور بين خيارات ضيقة، بالاتفاق الممكن قيمته أن يتم الآن في ذروة الحاجة العالمية للطاقة ومواردها، وأن ينقذ صورة الكيان من خطر التجميد المتلاحق في مواعيد الاستخراج التي لم يعد أحد يصدق الأعذار التقنية في تبريرها، وهما الخياران الوحيدان لتفادي الحرب، لأن المضي في الاستخراج دون اتفاق سيعني إقدام المقاومة على استهداف المنصة الإسرائيلية في كاريش بداية. وهذا يعني خسارة سنة ونصف من التفوق الاسرائيلي الزمني على لبنان هي المدة اللازمة لبناء المنصة، بمعايير ومقاييس تناسب الحقل، ويعني أيضاً فتح الباب لمواجهة يعرف الأميركي والأوروبي والإسرائيلي أن مخاطرها تتجاوز ذلك بكثير، لأنها مجرد شرارة قابلة للاتساع والتحول إلى مواجهة على مساحة المنطقة، ستكون أولى ضحاياها الملاحة في البحر المتوسط وخطوط نقل إمدادات الطاقة من الخليج إلى أوروبا التي تعبر جنوب المتوسط لدى خروجها من قناة السويس، والمنطقة ستكون ساحة حرب، وليس ما يضمن تحوّل الحرب الى ما هو أبعد من مواجهة بين المقاومة وجيش الاحتلال، في لحظة احتباس إقليمية ودولية قد تخرج تداعياتها عن السيطرة، وترسم مسارات جديدة للمنطقة ومستقبل كيان الاحتلال وخطوط الجغرافيا البرية، وليس البحرية فقط، أما المواجهة المحدودة التي تنتهي بتدمير المنصة والعودة الى التفاوض فلن تُخرج الكيان من خياراته الضيقة، بين الحرب الشاملة أو القبول بالاتفاق الممكن.
ـ الحديث عن تأجيل لما بعد الانتخابات في الكيان، لا يعني تغييراً استراتيجياً، وهو إن تمّ فشرطه لتفادي الحرب تجميد جديد للاستخراج، ولكن السؤال ما بعد الانتخابات هو ذاته، سواء فاز بنيامين نتنياهو أو يائير لبيد، الحرب أو تجميد جديد للاستخراج يفضح كذب العنتريات، أو اتفاق الممكن بالشروط اللبنانية.