هل بإمكان لبنان استخراج نفطه وغازه دونما «اتفاق» مع «إسرائيل»؟ الجواب: نعم… وبذلك يحمي مصالحه ويصون سيادته
} د. عصام نعمان*
رفضت «إسرائيل»، ملاحظات لبنان على عرض الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين بشأن مشروع «اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما».
هل يعني ذلك سقوط مشروع «الاتفاق» الأميركي؟
لنحاول، أولاً، معرفة أهمّ ملاحظات لبنان على المشروع التي رفضتها «إسرائيل»:
ـ لبنان يرفض أيّة مشاركة «إسرائيلية» في استثمار حقل قانا الواقع الى الشمال من الخط 23 فيما تطالب «إسرائيل» بحصة من مردود هذا الحقل بدعوى Hنّ قسماً من بلوك Blocke 9 الذي يقع فيه الحقل المذكور تعود „ملكيته« لها.
ـ لبنان يرفض أيّ اتفاق مع „إسرائيل« بشأن سلسلة العوّامات البحرية التي أقامتها الى الجنوب من الخط 23 في أعقاب الحرب العدوانية التي شنّتها على لبنان والمقاومة سنة 2006 وباءت بالفشل.
ـ لبنان يرفض رفضاً باتّاً عقد أيّ اتفاق مع „إسرائيل« يتعلّق بترسيم الحدود لأنه ما زال بموجب اتفاقية الهدنة للعام 1949 في حالة حربٍ معها بل يتوخّى فقط توقيع محضرٍ بالترتيبات التي يمكن التوصّل اليها، بوساطة الولايات المتحدة ورعاية الأمم المتحدة، بشأن المناطق المتنازع عليها والمتعلّقة بحقول النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية المحاذية لحدود فلسطين المحتلة في حين تضغط „إسرائيل« لعقد اتفاق بين دولتين يكرّس تطبيعاً للعلاقات بينهما.
ماذا يمكن Hن يحدث اذا تمسّك كلّ من لبنان و«إسرائيل« بموقفه؟
من الواضح أنّ الولايات المتحدة تتدخل حاليّاً لحمل «إسرائيل» على تدوير زوايا رفضها لملاحظات لبنان على عرض هوكشتاين لحرصها على تسوية النزاع العالق بين الطرفين تفادياً لاندلاع حربٍ بينهما وضماناً لتلبية الحاجة الماسة للغاز الذي يستخرجه الكيان الصهيوني بغية سدّ حاجات دول اوروبا بعدما قطعت روسيا الغاز عن معظمها.
التدخل الأميركي مع «إسرائيل» قد يُعطي ثماره قبل موعد انتخاباتها في الاول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل او ربما بعدها إذا لم يعترض لبنان على ذلك. لكن، ماذا تراه يحدث اذا فاز في الانتخابات زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الرافض بقوة مشروع «الاتفاق» الذي عرضه هوكشتاين على الطرفين والعازم على عدم الالتزام به إذا ما ألّف حكومة جديدة بعد الانتخابات؟
يرى مراقبون كثر، «إسرائيليون» وغير إسرائيليين، أن معارضة نتنياهو لـِ»الاتفاق» هي مجرد تكتيك انتخابي وانه لن ينقضه في حال ألّف حكومة جديدة بالنظر الى حاجة «إسرائيل» الماسّة لعائدات الغاز المستخرج من منصاتها البحرية، فضلاً عن حاجة أميركا وأوروبا له في صراعهما المرير مع روسيا بعد قيامها بقطع الغاز عن معظم دول القارة العجوز. الأرجح، والحالة هذه، أن يتخذ نتنياهو أحدَ موقفين:
ـ المجازفة باستخراج الغاز من حقل كاريش قبل تسوية النزاع مع لبنان ما يعرّض الكيان الصهيوني لحربٍ مدمّرة يشنّها عليه حزب الله بلا تردّد.
ـ الموافقة على عرض هوكشتاين، والسكوت عن ملاحظات لبنان عليه، وعدم الاعتراض على إبقاء النزاع عالقاً بين الطرفين بشأن سلسلة العوّامات القائمة الى الجنوب من الخط 23، والاكتفاء تالياً بالتسوية المقترحة على شركة «توتال» الفرنسية ومفادها إعطاء «إسرائيل» جزءاً من أرباحها الناجمة عن استخراج الغاز من حقل قانا من دون ان يكون لبنان طرفاً في هذه التسوية تأكيداً لرفضه أيّ تطبيع مع كيان العدو.
سواء اعتمدت «إسرائيل» أيّاً من الموقفين السالفي الذكر، فإنّ بإمكان لبنان القيام باستخراج نفطه وغازه من حقل قانا الكائن في البلوك9 وغيره من البلوكات من دون توقيع محضر ترتيبات (او ما يُسمّى خطأً اتفاقاً) مع «إسرائيل» بشأن المناطق المتنازع عليها وذلك في ضوء الحقائق والتدابير الآتية:
أ ـ «إسرائيل» لن تغامر بمنعه من العمل في منطقة حقل قانا مخافةَ ان تتعرّض الى قصف من جانب حزب الله يأتي على معظم منصّاتها النفطية والغازيّة على طول الساحل الفلسطيني المحتل.
ب ـ الولايات المتحدة لن تمنع شركة «توتال» او غيرها من العمل في حقل قانا وغيره مخافةَ قيام حزب الله بتنفيذ وعيده القائل: لا مجال لقيام «إسرائيل» باستخراج النفط والغاز اذا لم يُسمح للبنان بالأمر نفسه.
ج ـ تحوّطاً لأي موقف «إسرائيلي» او أميركي عدائي، يتعيّن على لبنان ان يقوم بمفاوضة روسيا وايران على مساعدته في مجال استخراج النفط والغاز من بلوكاته على طول الساحل اللبناني، والأرجح أنهما ستكونان متعاونتين، لا سيما بعد احتدام الصراع بين روسيا وحلفائها من جهة وأميركا ودول الغرب الأطلسي من جهة أخرى.
د ـ تحوّطاً لأيّة عرقلة يمكن ان يفتعلها حلفاء أميركا المحليون للحؤول دون قيام لبنان باستثمار ثروته النفطية والغازيّة دونما محضر ترتيبات موقع عليه مع «إسرائيل» برعايةٍ من أميركا، يقتضي أن تبادر القوى الوطنية في لبنان، وفي مقدمها حزبُ الله وحلفاؤه، الى الإسراع في تشكيل حكومة وطنية ائتلافية كاملة الصلاحيات تتولى اتخاذ التدابير اللازمة لإنجاح وحماية مشروع قيام لبنان باستثمار ثروته النفطية والغازيّة باستقلالٍ عن دول الغرب الأطلسي وحلفائها الإقليميين.
نعم، هذا هو الجواب المتعقّل والجريء في آن على مناورات «إسرائيل» وضغوطها لحمل لبنان على استخراج نفطه وغازه بموجب اتفاق بين دولتين وخارج إطار اتفاقية الهدنة للعام 1949 بغية تكريس التطبيع مع العدو.
*نائب ووزير سابق.