وحدة المقاومة…
} عباس طالب عثمان
من القدس الى غزة فالضفة، تطورت المواجهات وعمليات فرض المعادلات بشكل لا يمكن وصفه إلا بـ «الدراماتيكي». ففي كلّ منطقة من تلك المناطق آنفة الذكر، حدثت معركة اتخذت شكلاً وعنواناً مختلفين، على الرغم من انه في فلسطين، تشكلت حركات مقاومة اتخذت أشكالاً ومنطلقات عدة (اسلامية ووطنية…) إلا أنها تبقى جميعها الطرف الأكثر استهدافاً من قبل الاحتلال «الإسرائيلي» مباشرة، وهي، بكافة أحجامها (وهذا ما تبيّن بعد تزايد العمليات الفردية والجماعية غير المنظمة) الطرف المسؤول مباشرة عن رفع مستوى الأدرينالين لدى الاحتلال (على صعيد الحكومة والشعب). فكيف إذا كانت تلك المقاومة تتخذ من عنوان «وحدة الساحات» مشروعاً جديداً تتمسك به؟
ظهرت في السنوات القليلة السابقة (من خلال المواجهات في تلك المدن) مقاطع فريدة إذا ما قمنا بجمعها مع بعضها البعض، يتشكل مشهد أوسع وأوضح لما يحدث. وهذا المشهد المشبع بالمعاني هو جزء من رواية «المقاومة موحّدة» تكتبه حركات المقاومة الفلسطينية مع حزب الله وكلّ داعم لها.
ـ المعركة الوسطى: وحدة الساحات
حملت معركة وحدة الساحات أحداثاً ووقائع واضحة في معانيها بأنّ المقاومة تهدف، بعد كلّ ما عانته، الى التعاون في ما بينها وربط جهود بعضها البعض وتضييق الخناق حول الاحتلال «الإسرائيلي». وقد أظهر الأخير، بشكل غير مباشر، هدف تلك المواجهة التي خاضها ـ في ظلّ أزماته ـ وهو خلق فجوة وسط ذلك التعاون المستحدث.
1 ـ فعلى صعيد حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله، يمكن إظهار توجه ناصيتها نحو التعاون من خلال:
ـ قيام أمين عام حزب الله بإعلان الدعم لحركة الجهاد بما يستطيع حزب الله تقديمه من خبرة ودعم سياسي.
ـ تركيز حركة حماس على تقديم المساندة للجهاد الإسلامي من خلال غرفة العمليات المشتركة التي تشكلت في ما بينهم.
2 ـ على صعيد الاحتلال «الإسرائيلي»:
ـ اتخذ الاحتلال «الإسرائيلي» خطوة بدء الاستفزازات التي أدّت إلى حدوث المعركة. ففي عملية تعسفية، قامت قوات من الجيش باعتقال الشيخ بسام السعدي المنتمي إلى الجهاد الاسلامي. والشيخ بسام السعدي عُرف في السنوات السابقة بنشاطه في تخفيف حدة الانقسام بين فتح والجهاد وخاصة في غزة. وهذه المهام تعتبر عملاً يساعد في بناء قاعدة تضمّ مختلف الفصائل ويدعم ذلك العنوان الذي يكشف وجه مستقبل المقاومة.
ـ في ثاني أيام المواجهة، اتخذ الاحتلال «الإسرائيلي» قرار اغتيال القيادي في الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري. وذلك القرار لم يكن قراراً وقع بالصدفة، فالقيادي تيسير الجعبري كان مسؤولاً عن تحركات عسكرية في الضفة، وتعدّ تلك التحركات واقعاً خطيراً بالنسبة للاحتلال نظراً الى ما يقدّمه من نتائج إيجابية لحركات المقاومة في الضفة وغزة.
الضفة: معركة جديدة أم جزء من مشروع وحدة الساحات؟
نقلت معركة «سيف القدس» الى مختلف المدن الفلسطينية روح تجديد المقاومة في ظلّ جميع العقبات التي وضعها الاحتلال «الإسرائيلي». وكانت الضفة أبرز من تأثر بها، فتشكلت «كتيبة جنين» كردّ فعل مقاوم أحيته تلك المعركة. انّ ولادة تلك المجموعة كانت بمثابة ظهور شمس بيّنت من خلال نورها مساراً إيجابياً ضمن ذلك المشروع. والجدير ذكره انه بعد تحرر الأسرى (لأيام قليلة) في سجن «جلبوع»، نشطت حركات المقاومة بالضفة التي اختارها الأسرى مكاناً للجوء اليه. وفي حادثة أخرى تحمل دلالات عدة، اغتالت قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، في الضفة، قيادياً في فتح مع مقاوميْن تابعين لجهاز الاستخبارات العسكرية للسلطة. تنقل تلك الحادثة في طياتها مخاوف للاحتلال من انتقال الاندفاع نحو المقاومة الى قوات أجهزة السلطة، وإعطاء أجهزة السلطة معلومات استخبارية تسهل تحركات المقاومة. وفي الأيام القليلة السابقة، أضيفت حادثة جديدة بثت التوتر في أرجاء قوات الاحتلال، حيث قام شخصان بعملية مخطط لها في «الجلمة»، وما أثار قلق الاحتلال هو عدم ملاحظة القوات للمقاومين الذين استطاعوا ان يقتلوا جندياً من جيش الاحتلال، إضافة الى انّ أحدهم ينتمي أيضاً الى جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للسلطة.
ـ وفي تصريح له لـ «الأخبار»، اكد القيادي في حركة «فتح» جمال حويل انّ الاحتلال حاول، في عملية «كاسر الأمواج»، ان يمنع الموجة من الانتقال الى أماكن اخرى، وهذا ما يدلّ على انّ عنوان المواجهة هو التعاون بين حركات المقاومة.
ـ وسمت معركة «سيف القدس» بعنوان أساسي اثر بشكل كبير على نتائج تلك المعركة، ألا وهو «غرفة العمليات المشتركة» التي ضمّت مختلف حركات المقاومة الفلسطينية إضافة الى حزب الله. وبعد تلك المعركة، أصبحت غرفة العمليات المشتركة عاملاً رئيسياً يرافق جميع مواجهات المقاومة المفصلية. وإذا ما أردنا وضع أوجه الشبه بين المواجهات التي حصلت في القدس وغزة والضفة، ستتربع غرفة العمليات المشتركة على رأس أوجه التشابه. وهذا ما يدلّ على ترابط تلك المعارك وترابط أهدافها.
برزت خلال جميع المعارك التي ذكرت، أوجه متشابهة أظهرت ارتباط تلك المعارك بهدف تمحورت حوله جهود المقاومة الفلسطينية وحزب الله، وقد برز من خلال خطوات عدة اتخذت من قبل الحركات المذكورة ومن خلال بعض ما قام به الاحتلال «الإسرائيلي». ورغم وضع الاحتلال وحلفائه عقبات أمام تحقيق هدف التعاون الملموس بين حركات المقاومة، إلا انّ سياسة المقاومة حققت نتائج إيجابية في هذا المشروع، والجدير ذكره انّ المقاومة باتت ترسم معالم المراحل المقبلة في المستقبل بقلم التعاون، ويتبيّن ذلك من خلال قيام أمين عام حزب الله بطرح موضوع احتمال المواجهة مع الاحتلال.