حُسم الاتفاق فعلامَ الاختلاف؟
ناصر قنديل
– النسخة الأخيرة للاتفاق الخاص بحقول النفط والغاز جعلته، بعد اعتبار ترسيم الحدود الدولية البحرية أمرا مؤجلا لمفاوضات لاحقة، اتفاقاً اقتصادياً على تقاسم الثروات البحرية، رغم أن ذلك قد تم بالاستناد إلى معايير متناقضة بين لبنان وكيان الاحتلال في النظر لمعايير رسم الحدود البحرية، لم يكن ممكناً حسم الخلاف حولها وفرض توازن القوى تخلي حكومة الكيان عن الإصرار على ربط تنازلاتها الاقتصادية في تقاسم الثروات بالحصول على مكاسب تغطيها في رسم الحدود تحت شعار تثبيت خط «الطفافات». ويعرف الأميركي أن الحديث الإسرائيلي عن مكاسب وعن نيل كل ما طلبته حكومة الكيان، هو مجرد كلام إعلامي مخالف لحقيقة ما جرى ويظهره النص النهائي بوضوح، وهو تظهير الصورة الهزيلة في الكيان وحاجته لادعاء نصر وهمي يغطي به هزيمته الحقيقية.
– طبعاً لا يجب نسيان حقيقة أن لبنان كان يمكن له أن يكون أقوى في التفاوض بغض النظر عما إذا كان ممكنا تحصيل ما هو أكثر، في ضوء هزال وضع الكيان من جهة، وصعوبة التوصل لاتفاق ينتزع من قبضة الكيان حقل كاريش بعد انتزاع حقل قانا، وهما الحقلان المجزيان في البحر المتوسط، لكن بالرغم من ذلك تجب الإشارة ويجب التذكير دائماً بأن العبث الذي طبع التعامل مع هذا الملف، أضعف موقع لبنان التفاوضي وصدقيته القانونية، منذ بدأ الترسيم مع قبرص وما لحقه مع الانتقال من النقطة 1 إلى الخط 23، ولكن يجب بالمقابل دون تردد الإشادة بأهمية دور الإدارة التفاوضية للملف، منذ رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري لخط هوف عام 2012 وصولا للعام 2018، وإصراره على اتفاق إطار يستند الى تفاهم نيسان 1996 الذي يشرّع دور المقاومة، والدور الذكي الذي لعبه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في إدارة التفاوض بحنكة وحكمة وشجاعة، تمثل بحسن استخدام الخط 29 لفرض اضافة حقل قانا كاملاً للخط 23، وتشريع معادلة المقاومة باستهداف حقل كاريش باعتباره متنازعاً عليه ما دام الخط 29 لن يسحب من التداول إلا بالتوصل إلى الاتفاق النهائي، وقد ترتب على موقف الرئيسين عقوبات أميركية طالت معاونيهما السياسيين، الحليفين اللدودين، النائبين علي حسن خليل وجبران باسيل، وهنا لا يجوز أن ننسى دور قيادة الجيش اللبناني وخبراء الجيش القانونيين والتقنيين، وحسن أداء قيادة الجيش التي أظهرت قدرتها على التجرؤ بتبني ما يحمي المصالح الوطنية، بوجه الضغوط الأميركية، رغم حجم ونوع العلاقة التي تقوم بينها وبين الجيش من جهة، وبين الأميركيين من جهة مقابلة.
– اللافت هنا هو أنه في ما تدور رحى معركة ضارية يخوضها الإسرائيليون، تحت شعار التسبب بالخسارة، تدور رحى معركة موازية يخوضها اللبنانيون حول تحديد صاحب الفضل بالأرباح، وهنا من المهم الانتباه إلى تبدّل مواقف الفريق الرسمي الذي كان في بداية دخول المقاومة على خط ملف الثروات البحرية، يشير إلى دور المقاومة باعتبارها عامل تعطيل أو تقويض للتفاوض، تلبية لطلب أميركي مقابل الوعد الأميركي بالإنجاز، والبارز من هذا الفريق كان خصوصاً موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، وليس خافياً تموضع هذا الفريق الذي كان نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب الأكثر جرأة بين صفوفه، يوازيه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لجهة القول الصريح بأن المقاومة كانت عنصر التوازن الذي فرض وجهة للتفاوض خرج لبنان بموجبها رابحاً.
– القاصي والداني يعلمان أنه لولا دخول المقاومة على خط الملف لما كان لبنان أن يحقق ما تحقق، وفي كيان الاحتلال، وخلف البحار في واشنطن، كلام صريح وواضح، أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هو الرابح، وأنه ربح للبنان وهزم الكيان.