هكذا انضبطت «إسرائيل» بمعادلة المقاومة وشقّ «اتفاق» الترسيم طريقه بإلحاح أميركي
} حسن حردان
سريعاً تراجع المسؤولون الصهاينة عن لغة التصعيد، وسارعوا إلى إرسال الإشارات الإيجابية عن التوصل إلى «اتفاق» ترسيم الحدود البحرية يأخذ بالاعتبار الملاحظات اللبنانية، وذلك وسط إلحاح واستعجال أميركي لافت… فما هي هذه الإشارات:
أولى الإشارات جاءت من المجلس الوزاري المصغر الذي كلف رئيس الحكومة يائير لابيد ووزيري الدفاع والخارجية مهمة متابعة المفاوضات غير المباشرة مع لبنان عبر الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، من دون أن يعلن المجلس ايّ موقف سلبي من الملاحظات اللبنانية على مسودة الاتفاق التي أرسلها هوكشتاين، الأمر الذي عاكس التسريبات الصحافية «الإسرائيلية» عن رفض هذه الملاحظات وترك انطباعاً بوجود توجه للتفاوض بشأنها عبر الوسيط الأميركي للتوصل إلى اتفاق حول الصيغة النهائية للترسيم… وهو ما ظهر لاحقاً من خلال التواصل بين هوكشتاين ونائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس بو صعب، والذي أسفر عن إرسال الوسيط الأميركي صيغة جديدة تأخذ بالاعتبار الملاحظات اللبنانية لا سيما لناحية عدم إضفاء ايّ طابع دائم لوجود الاحتلال في منطقة الطفافات، وتحديد صلاحيات شركة «توتال» وعلاقتها مع كلّ من لبنان وكيان الاحتلال، والتي يجب أن تكون منفصلة تماماً، إلى جانب تأكيد بأنّ ايّ تعويض ستدفعه «توتال» إلى تل أبيب سيكون من أرباحها بعد استخراج الغاز من حقل كاريش.. من دون أيّ مساس بحصة لبنان.. إضافة إلى ضمانات ببدء عمل الشركة في الحقول اللبنانية فور إنجاز اتفاق الترسيم رسمياً… وهو ما أكده الياس بو صعب بعد تسلّم لبنان الصيغة النهائية للاتفاق والتي أخذت بالملاحظات اللبنانية..
أما الإشارة الثانية، فكانت الانضباط «الإسرائيلي» بالمعادلة التي فرضتها المقاومة والتي تقوم على أنه لا استخراج للغاز من كاريش قبل أن يتمّ التوصل إلى اتفاق يحصل من خلاله لبنان على كامل حقوقه بما فيها السماح لـ «توتال» وغيرها من الشركات الدولية البدء فوراً بعمليات التنقيب والاستخراج من الحقول اللبنانية.. وتجسّد هذا الانضباط «الإسرائيلي» في مسارعة حكومة العدو إبلاغ لبنان عبر هوكشتاين بأنّ ما ستقوم به شركة انرجيان من عملية تجريب لخط الغاز في حقل كاريش إنما هي عملية ضخ عكسية من الشاطئ إلى المنصة، للتأكد من جاهزية الأنابيب وليست لإنتاج الغاز من كاريش.. وكان واضحاً انّ هذا الحرص «الإسرائيلي» على إبلاغ لبنان بذلك إنما لضمان عدم حصول ايّ التباس يقود إلى توتر مع المقاومة، التي يعرف كيان الاحتلال أنها لن تتساهل مع أيّ تجاوز أو تجاهل «إسرائيلي» لمعادلتها..
من هنا فإنّ هذا الانضباط والإشارات «الإسرائيلية»، نظر إليها المراقبون على انها عكست توجهاً لدى حكومة الاحتلال، مدفوعة بإلحاح أميركي، للإسراع بالتوصل الى اتفاق مع لبنان، والتوقيع عليه قبل موعد الانتخابات «الاسرائيلية» نهاية الشهر الجاري، وذلك لسببين اثنين:
السبب الأول، تلبية الحاجة الأوروبية إلى غاز البحر المتوسط القريب من الدول الأوروبية، لتعويض النقص في واردات الغاز الروسي، لا سيما بعد بدء ارتفاع الأصوات الأوروبية المنتقدة لاستغلال واشنطن حاجة أوروبا لهذه المادة، ببيعها الغاز الأميركي بأسعار خالية تقدر بأربعة اضعاف سعره الحقيقي…
السبب الثاني، تفادي خطر ضياع فرصة حصول الاتفاق، اذا ما فاز تكتل ليكود الذي يرأسه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» السابق بنيامين نتنياهو في الانتخابات لا سيما انّ الأخير:
1 ـ يبني رهانه على الفوز من خلال تصعيد حملته ضدّ الاتفاق واتهام حكومة لابيد بتقديم تنازلات للبنان والاستسلام لتهديدات المقاومة…
2 ـ ويسعى إلى عرقلة الاتفاق للانتقام من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تدعم لابيد في الانتخابات «الاسرائيلية»، كما انّ نتنياهو يريد من خلال ذلك دعم حليفه الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يقف ضدّ ايّ عودة إلى الاتفاق النووي بالصيغة التي وافقت عليها إدارة بايدن والتي ينقصها الضمانات الأميركية التي تطالب بها إيران لتنفيذ الاتفاق، بعد التوقيع عليه…
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول، إذا ما وافق المجلس الوزاري «الإسرائيلي» المصغر اليوم على اتفاق الترسيم، متضمّنا الملاحظات اللبنانية الأساسية، المذكورة آنفاً، ولم يطرأ ايّ تطوّر داخل كيان العدو يؤخر المصادقة على الصيغة النهائية للاتفاق، فإنه من المتوقع ان يجري تدشين الاتفاق والتوقيع عليه رسمياً هذا الشهر…