أخيرة

نافذة ضوء

تحرير فلسطين واجب كل بنات وأبناء الأمة

 

} يوسف المسمار*

كتبت طالبة الطب مارسيا الخوري الشيخ التي هي اليوم دكتورة  وبروفسورة جامعية متألقة في تعليم الطب في الريو دي جانيرو على اثر المذابح والمآسي التي يعانيها ابناء شعبنا في فلسطين قصيدة جميلة بالبرتغالية تحت عنوان «أيّها المسيح.. عُد إلينا» وانقذ أبناء فلسطين، فكتبت رداً عليها في مجلة الرابطة عنوانه «إلى مارسيا» جاء فيه:

«تحرير فلسطين واجب كل بنات وأبناء الأمة

قصيدتك ـ النداء يا مارسيا يعبّر عن نفس ولا أصفى، ومشاعر ولا أصدق كأول خيط من خيوط الفجر تتفتح إصالة الأمة فيك حتى لتكاد موهبتك تتفجّرعن حكاية خلقٍ جديد، وإنها لمتفجّرة.

هكذا تبدو معالم الينابيع المبشرة بالخير والخصب والعطاء. لقد سمع المسيح نداءك (…) فهو صاحب رسالة عظمى.. مؤمن أن طريق السماء تبدأ من الأرض، وأن الطريق الحقيقي يكون في الصعود لا في الهبوط. في التقدم لا في التخلف. في ازدياد المعرفة لا في تراكم الجهالة، وفي الرقي لا في الانحطاط. وفي استمرار الصراع الهادف المؤيد بصحة العقيدة ومثالية الأخلاق لا في استرخاء الكسولين ورداءة الصفات للمتربّعين على رحمة الاتكال والخمول.

وحتى تبدأ مسيرتنا إليه، يجب أن نعرف ما كان يعرف، ونؤمن بما آمن، ونكفر بما كفر، ونمارس محامد المزايا كما مارس، ونحيا كما كان يحيا، ونموت كما مات، وننتصر كما انتصرفنعرف أن نقطة انطلاقنا لا تصح ان تكون الا من ذاتنا، ونؤمن ان ذاتنا الواعية العارفة هي المنطلق والبداية والجهاد الذي يتوقف عليه المصير والمآل، ونكفر بكل ما يدعو الى الاتكال واليأس والهروب، فنحيا في هذا العالم وليس خارج العالم، ونمارس فضائل القيم الإنسانية العليا لا طمعاً ولا خوفاً بل طبيعة إنسانية سامية، ونموت من أجل ما نحن وما سنكون وما ينبغي أن نكون، وننتصر بقضيّة عظمى تكون ذات أغراض ومقاصد كبيرة.

إنقاذ أمتنا يا عزيزتي مارسيا، إنقاذ وجودنا وحياتنا ومصيرنا وتاريخنا وحضارتنا لا يكون ولن يكون بالاتكال على رحمة السماء بعد أن وهبتنا العناية الإلهية الأعظم ميزة العقل المميّز. (..) الإنقاذ لا يكون ولن يكون في عمل السحرة والمشعوذين، ولا في انتظار مساعدة الأمم التي انطفأت فيها الروح الإنسانية المناقبية النبيلة، أو ما يتكرم علينا به الأعداء من استعباد واستغلال وإذلال وتعذيب وقتل وتشريد وتهجير.

إن الإنقاذ لا يكون ولن يحصل الا بنهضة، والنهضة لا تقوم ولن تحصل الا من الداخل، ولا تتحقق ولا تنتصر الا بالناهضين المقاومين المهاجمين المضحين، ولا يحق أن تستمد روحها الا من مواهب الأمة وتاريخها الثقافي الحضاري. وهي لا يستطيع أن تستمر وتزداد قوة الا بحركة عقلية نظامية اخلاقية تتشعب مؤسساتها وتتمدّد في كل مناحي الحياة وميادينها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفنية والإدارية والعسكرية والفدائية، فترى شعبنا بكل أفراده وفئاته واتنياته وطوائفه وشرائحه في جميع إقاليمه ومناطقه وكياناته ونواحي وطنه شعباً واحداً ذا روحية واحدة، وترى أرضه وحدة أرضٍ وطنية لا وحدات ونتف أوطان.

عندها فقط، ننظر الى أبنائنا الفلسطينيين كأخوة مواطنين أُخرجوا من ديارهم ونزحوا في وطنهم، واحتلت بيوتهم واغتصبت عقاراتهم وهُجّروا لمصلحة الأعداء مقدمة لاقتلاع واجتثاث سائر أبناء الأمة، ولكنهم لم يفقدوا هويتههم القومية، ولا تستطيع أية قوة أن تمنعهم من ممارسة حقوقهم على كامل الارض الوطنية القومية، أو أن تتساهل معهم في أداء واجباتهم تجاه مصلحة الأمة التي تشمل جميع حقوقهم وحقوق غيرهم من نسائها ورجالها والتي هي فوق كل مصلحة فردية أو جزئية فئوية او خارجية استعمارية او مناقضة لتقدّم وارتقاء الأمة، كما تصير مسؤولية تحرير كل شبر من أرض فلسطين المغتصبة واجباً قومياً مصيرياً على جميع بنات وأبناء الأمة نساءً ورجالاً وحكومات وأجيالاً.

وفي هذا المفهوم القومي الاجتماعي تكبر مسؤولية الواعين في تعميم وتثبيت هذا الفهم الجديد، وتبرز أهمية المواهب المؤهلة لتبني هذا الفهم الراقي ونشره وانتصاره، وتصيرين مع أمثالك من المؤهلين مشاعل تكبر وتستحق منا كل محبة وتقدير وعناية واهتمام واحتضان.

إن مضمون قصيدتك يا مارسيا بهي كشمس بلادي، وفيه من تاريخ أمتي ملاحم نار ونور، وفي أعماق نفسك من حضارتها جمال، ومن خصب أرضها خير، ومن إنسان نهضتها حق.

فلا تحبسي الجمال، ولا تبخلي بالخير، ولا تتنازلي عن الحق، ولا تتراجعي عن ندائك الجميل وإنتاجك الرائع لأن الأمم الحيّة الحضارية حين تُنكب، لا ينهض بها الا من وُلد من أبنائها بالحق، وتغذّى بالخير، ومارس البطولة وعياً وإيماناً وصراعاً، وشق للأجيال القادمة بالمعرفة والعلم والمناقب والصراع طريق العز والتقدم، لأن نداء الحياة ما كان إلا ليدوّي ويهز ويوقظ ويفجّر الطاقات والمواهب والعبقريات.

 

*باحث وشاعر قومي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى