وهم الحدود…
} جابر جابر
البيت غُرَف، أقسامٌ تفصلها أبواب وتصلها الشمس من النوافذ فيما تسكنها الروح في التكامل. أبواب البيت الداخلية مشرعة أمام أهله، محظورة على الغريب. ذات نكبة، سُرقت روح منزلنا، وأوصد بابٌ داخليٌ في وجه أهله، حوصر بعضنا داخل الجزء المحتلّ، وحوصر بعضنا خارجه. نكبنا، بقطع الشريان، وانعدم في بيتنا الأمان.
نكبنا في قوّتنا، في دفئنا، حريتنا، سلامنا، جزئنا، كلنا…
نكبنا في عيشنا، أهلنا، فمات منا دفاعاً، ومنا صموداً، ومنا استهدافاً وهجوماً…
نكبنا بأشكال متعدّدة، ما أماتتنا، غير أنّ ما أضنانا وأهلكنا أمران، وقعهما يستهدف وجودنا، ألا وهما تبسيط الخيانة، بل تسخيفها وثانيهما التنازل عن الحقّ.
هاتان النكبتان مقتل، يستهدفان ثقافتنا، ويعمّمان استسلاماً بلون الخدر، ليؤخذ بالسلم ما لم يؤخذ والدماء تدفع.
إن وقع النكبتين أوهر من صوت المدفع، من عويل الأمهات، ورهبة الرفات.
إن وقع النكبتين أوجع من حبل المشانق، من بارود البنادق وسهم الرماة.
عشنا لنتذوّق الوجع الأعتى. ذاك الذي ينحرك دون نزف، دون تقطيع وبتر، دون تشويه وتفجير وبارود وقتل. إنّ أعتى الوجع، وجع العقيدة.
وجع الإيمان إذ يتكسّر على مذابح الكفر.
وجع الحقّ السليب، الحقّ الذي هان.
أعظم الوجع يا وطني
أعظم ابتلاء يا وطني
هو وجع الهوان.
حين حدّدناك بين الكبد والرئة،
بين القلب وثبات الركب،
بين الشرع وشرايين الدماء،
شققناك، شلعناك، بترناك ومتنا ونحن على قيد شهيق يسمّونه حياة.
أيّ حدود تلك!
أيّ وهم يجرّح أسطح الجغرافيا وعمق التقويم؟
أيّ جوع يبتلع الليمون والزيتون والمياه الغازية المالحة ليهضم تعب الأمعاء،
إزرعوا في عقول أبنائكم جغرافيا الحياة،
واستشراف القمم،
ولو بقي في المحصلة شبل واحد يشير إلى الحق في غفلة الباطل…