إرادة الأقوياء
} يوسف المسمار*
حيث يكون الأحرار تكون الحرية، وحيث يكون العبيد تكون العبودية.
جوهر الأحرار نور لا يفرّ من وجه الظلمة، بل لا قدرة للظلمة على مواجهة النور. وأكثر من ذلك، لا مفرّ للظلمة من الهروب والابتعاد والتلاشي. ففي المواجهة قدر النور النصر والضياء، وقدر الظلمة الهزيمة والفناء.
زمن الهزائم التي جلبها علينا الحقيرون من أبناء أمتنا ولّى إلى غير رجعة، وزمن الانتصارات التي يحققها الحاملون دماءهم على أكفهم من أبنائنا الأبطال كُتب بإرادة تقهر ما كان يحسب عند الهروبيين المتخاذلين الجبناء مستحيلاً.
القوة إرادة، والضعف هوان. القوة إرادة الأقوياء، والضعف جبن الضعفاء.
القويّ من يريد ويفعل، فيعبّر فعله عن قوته ويصير لقوله مغزى تردّده الأجيال بعزة وافتخار. أما الضعيف من يريد ولا يفعل بل يخمل ويتمنى فيعبّر خموله ومناه عن ضعفه وتصير أقواله ثرثرات اليائسين المقعدين على جوانب طريق الحياة ينتظرون من يدفعهم أو يجرجرهم الى مقابر الأموات.
الأقوياء أقوياء بنفوسهم الكبيرة، وعقولهم المبدعة، وأخلاقهم المشعّة، وأفعالهم النافعة، وبطولاتهم المتتالية التي يطلقون بها أشعة اليقظة في أبناء مجتمعهم، ويضخّون بحرارتها دماء الإنعاش في أمتهم.
فتنهض وتسير على طريق العز والنصر فيكون النصر نصيب من لا يخاف الحرب بل يخاف الفشل ويخاف عيش الخنوع والذل.
الضعفاء تنهكهم الأنانيّات، وتمزّقهم الفئويات، وتفتتهم ذبذبات الفتنويات فيتحوّلون الى قطعان بشرية تتلاعب بها الإرادات الغريبة فيتقهقرون ويتقهقر بهم مجتمعهم.
أما الأقوياء فوجدانهم الاجتماعيّ يقظ على الدوام، وذات أمتهم العامة لا يعتريها غياب، وثقتهم بأنفسهم وأمتهم وقوميتهم ثورة نهضة دائمة الاشتعال تحرق وتضيء. تحرق مَن أطلقها وتحرق من يقف في طريقها وتضيء لأجيال الأمة طريق رقيّها ومجدها. وكل أمة يفتر لهب القومية الاجتماعية في بناتها وأبنائها تُصاب بالعجز وتستفحل بها الأمراض وتتعرّض للتآكل الداخلي وتصبح مرمى لسهام الأعداء ولا إنقاذ لها من الخراب إلا بأقويائها وإرادتهم الفاعلة التي لا تفل عزمها الصعوبات.
فاذا لم نكن أمة قوية في الحياة فلا نجاة لنا من السقوط الداخلي مهما ضجت الأبواق بالأضاليل، ولا من الانهيار أمام الأعداء مهما زخرفت العقود والاتفاقات وروّج للحمايات. فالأمة التي لا تعتمد على نفسها وقوتها هي وإرادتها في الدفاع عن وجودها وحياتها ومصيرها لن تنفعها حمايات.
وكم كانت نظرة أنطون سعاده ثاقبة وصائبة حين قال في محاضرته التاسعة في 21 آذار سنة 1948:
“إذا ضعفت القوة في ناحية من النواحي لم يمكن مجرد العقود أن تدفع عن أمة من الأمم جيشاً عدواً مكتسحاً، بل إن وجود القوة شرط للاتفاق. لا يتفق من معه شيء مع مَن ليس معه شيء. الاتفاق يكون بين اثنين أو أكثر مع كل منهم شيء يُعتمد عليه. فإذا لم يكن معه شيء كان، على الأقل، وفي أحسن الحالات، كميّة تابعة مستخدمة لا رأي لها في المسائل ولا إرادة في الحياة».
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل