الموقف «العربي» المأزوم إزاء الحرب الروسية على أوكرانيا!
} د. جمال زهران*
أسفر التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن قرار إدانة لروسيا، بشأن ضمّ (4) مقاطعات كانت تابعة لأوكرانيا وهي (دونيتسك ـ خيرسون ـ لوغانسك ـ زابوروجيا)، إلى روسيا، رغم الاستفتاء الشعبي في هذه المقاطعات. وبنتيجة تزيد عن 90%، على الانضمام لروسيا، عن موافقة (143) دولة عضو على مشروع القرار الذي يتضمّن رفضاً لهذا الضم!!
في الوقت ذاته، رفضت (5) دول، هذا القرار وهي (روسيا/ كوريا الشمالية/ سورية/ بيلاروسيا/ نيكاراغوا)، وامتنعت عن التصويت (35) دولة في مقدّمتها الصين (حليفة روسيا) والهند وجنوب أفريقيا، وباكستان، والجزائر، والسودان (عربية)، ثم باقي الدول في العالم، والتي تعرّضت لضغوط أميركية كبرى، حتى تجعلها توافق على القرار، وترفض الضمّ الروسي لهذه المقاطعات الأربع، التي تعادل مساحتها 20% من إجمالي مساحة أوكرانيا!
لقد حدث ذلك بعد أقلّ من أسبوع على صدور القرار الروسي بضمّ الأقاليم الأربعة، ليكشف لنا الخريطة العالمية إزاء الأزمة الروسية/ الأوكرانية، في إطار الأزمة الروسية/ الغربية (أميركا وأوروبا)، وموقع إقليم الوطن العربي، من هذه الأزمة.
فالتصويت في المنظمات والمؤسسات الدولية، هو آلية كاشفة عن اتجاهات وجغرافية العالم إزاء الأزمات عبر مشروعات القرارات التي تطرحها الدول سواء أكانت كبرى أو صغرى!
وعلى الرغم من عدم جدوى القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلا فإنّ آلاف القرارات الصادرة لصالح القضية الفلسطينية، منذ عام 1948، وحتى أقرب تصويت هذا العام 2022 (74 عاماً)، قد تمّ تنفيذها!! إلا أنها، تبقى في النهاية ذات طبيعة معنوية، ورصيداً للاستخدام عندما تختلّ أو تتبدّل موازين القوى العالمية!!
إلا أنّ اللافت للنظر، هو اتجاهات التصويت في الوطن العربي، الذي يضمّ (22) دولة تحت مظلة جامعة الدول العربية. حيث اتضح أنّ دولة عربية واحدة كانت في صف روسيا ورفضت القرار المطروح، وهي سورية فقط، بينما هناك دولتان امتنعتا عن التصويت وهما: السودان والجزائر، بينما بقية الدول العربية وعددها (18) دولة وباستثناء فلسطين التي ليس لها تصويت لعدم عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة وبالتالي الجمعية العامة، جاء تصويتها في جانب القرار!
وفي المقدمة مصر والسعودية ودول الخليج ولبنان والعراق، وبقية الدول العربية! الأمر الذي يعكس تناقضاً بين الخطاب السياسي لهذه الدول (أو بعضاً منها)، وبين المواقف المعلنة والتصرفات الخفية! فغالبية الدول العربية التي أيّدت القرار المطروح، تكشف عن انحيازها إلى الغرب الاستعماري بقيادة أميركا وأوروبا، وكأنّ الحكام وهي حقيقة ـ أصبحوا تابعين تبعية مطلقة لهذا الغرب الأميركي! ومن خلف ستار، يلاحظ أنّ عدداً من هذه الدول يقيم علاقات مع روسيا، وينسّق منها، وبعضهم يقوم بزيارة موسكو والالتقاء بالزعيم الروسي (بوتين)، وآخر هذه الزيارات (زيارة محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات إلى موسكو قبل أيام)!
وهنا السؤال: ما هو تفسير هذه التصرفات، وذاك التناقض بين المواقف والسلوكيات تجاه الأزمة، وبين الخطاب الرسمي المعلن؟!
الرأي عندي، أنّ الوطن العربي، يفتقر إلى تكوين إرادة سياسية فعّالة، سواء تحت مظلة الجامعة العربية، أو قيادة دول عربية كبرى فاعلة، ومن ثم تأتي هذه التصرفات غير معبّرة عن تكتل عربي واحد، بل يؤكد حقيقة ذلك التمزق الذي يعانيه الوطن العربي. فالتشرذم العربي هو السمة السائدة، ولذلك لا يتعامل معه العالم على أنه كتلة سياسية، بل هو مجرد كتلة جغرافية حيث تتراص فيها الدول العربية متجاورة! ولذلك فإنّ التغلغل الخارجي هو الأصل، وسياسات التبعية الرسمية للاستعمار الغربي، لا تزال هي الأصل، وعدا ذلك من سياسات قد تظهر في تصريحات أو مواقف، هي مجرد مواقف طارئة ترتبط بزمن معيّن، لكنها تمرّ بسرعة، ولا تتخلق منها سياسات جديدة مستقلة، تراعي المصالح الوطنية الحقيقية.
ومن ثم يمكن فهم ما يحدث، باعتباره سياسات تعبّر عن النظم الحاكمة، وعن مصالح الطبقة الحاكمة في ظلّ قطر، على عكس القلة المحدودة والتي لم تتجاوز (3) دول اتخذت قرارات واضحة مثل (سورية) أو غير مباشرة بالامتناع عن التصويت مثل (الجزائر ـ السودان)، وذلك تأييداً لروسيا في ما فعلته وتفعله في أوكرانيا.
وقد يكون لهذه الدول تفسير في مواقفها الداعمة لروسيا، تحتاج لتحليل مقبل إنّ شاء الله. ولكن يبقى أنّ التحرر والاستقلال الوطني والتداول السلمي للسلطة في هذه البلدان التابعة عبر نظمها الحاكمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية بسياسات واضحة لا تتبع المؤسسات الدولية التي تكرّس النمط الرأسمالي في التنمية والذي أثبت فشله.
وإلى أن يتحقق ذلك، فإنّ التبعية للمركز الاستعماري العالمي ممثلاً في أميركا وأوروبا، لا تزال سائدة ومهيمنة!
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.