«أوبك +» هل تقصم ظهر العلاقات الأميركية ـ السعودية؟
} بتول قصير
يبدو أنّ خيبات الولايات المتحدة الأميركية تتوالى. فقد أثار قرار الدول المصدرة للبترول “أوبك” والدول المنتجة للنفط المتحالفة معها “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، حالة من الهستيريا والغضب في واشنطن، لما له من تداعيات سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها. فعلى خلفية القرار عبّر الرئيس جو بايدن أنه “أصيب بخيبة أمل” ووصف القرار بـ “قصير النظر”، واتهم دول المنظمة النفطية بالانحياز إلى روسيا.
شكل قرار خفض الإنتاج حالة إرباك بالنسبة لإدارة الرئيس بايدن، فالتوقيت الحرج لهذا القرار يأتي قبل شهر تقريباً من موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. وثمة خطر في أنّ هذا الخفض الذي سيدخل سريان المفعول في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر من شأنه أن يتسبّب في ارتفاع أسعار البنزين والغاز، ما يعني انّ واشنطن أمام كارثة سياسية كاملة الأركان على إدارة الرئيس الديمقراطي بايدن، خاصة أنّ خصومه الجمهوريين سيستغلون الفرصة الثمينة هذه للإطاحة بمصداقيته أمام الناخبين الأميركيين خلال عملية الاقتراع، كإثبات على السياسة الفاشلة التي تمتع بها عهده.
وعلى خلفية هذا القرار تعالت الأصوات في الكونغرس الأميركي التي تدعو لإعادة النظر في العلاقة مع الرياض، وتأطير العلاقة مع الأخيرة التي اعتبرت الإدارة الأميركية خطوتها بأنها بمثابة انحياز للمملكة في صراعات دولية وأنه قرار بُني على دوافع سياسية ضدّ الولايات المتحدة الأميركية. واللافت انّ ارتفاع وتيرة التوتر بين البلدين ترافق مع طرح النائب الأميركي الديمقراطي توم مالينوفسكي مشروع قانون في مجلس النواب يطالب إدارة الرئيس بايدن بسحب أنظمة الدفاع ضدّ الصواريخ و3000 جندي، وهم قوام القوات الأميركية من السعودية والإمارات. وقال مالينوفسكي في بيان صادر عنه: “لقد حان الوقت لكي تستأنف الولايات المتحدة دورها كدولة عظمى في علاقتها بزبائنها في الخليج”.
وعليه فإنّ حفلة الجنون الأميركية عقب قرار “أوبك بلس”، يفسّرها انشغال واشنطن وحلفائها في السعي الدؤوب لضمان أمنهم الطاقي نظراً لأهمية مصادر الطاقة العالمية. خاصة بعد أزمة أوكرانيا وإغلاق روسيا لصنابير الطاقة والغاز عن أوروبا.
وكخطوات عاجلة أمر الرئيس الأميركي وزارة الطاقة بالإفراج عن 10 ملايين برميل من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأميركي في الأسواق مع دخول خفض الإنتاج حيّز التنفيذ في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، والاستمرار في اللجوء إلى احتياطي البترول الاستراتيجي كلما اقتضت الحاجة. كما باشر بايدن بمشاورات مع الكونغرس للبحث في آليات إضافية لتقليص تحكم أوبك في أسعار الطاقة وتقليص اعتماد الولايات المتحدة على المصادر الأجنبية للوقود الأحفوري وتسريع ضخ الاستثمارات في الطاقة النظيفة.
من منظورٍ آخر، يبدو أنّ واشنطن تسبّبت بطريقة أو بأخرى بدفع “أوبك بلس” لخفض الإنتاج، عندما قرّرت مؤخراً رفع أسعار الفائدة والدولار، في وقت يستورد العالم النفط بالعملة الأميركية، ورفع قيمته يؤثر على الدول المستوردة للنفط، ما تسبّب بقلة الطلب عليه، ما أدّى لخلق فائض نفطي لدول “أوبك بلس”. واشنطن المذهولة من القرار حمّلت الرياض مسؤولية تداعياته، معتبرة أنّ دوافعه سياسية وانحياز لروسيا وسيشكل دعماً لها لا يُستهان به.
بدورها السعودية رفضت الاتهامات الأميركية التي لا تستند إلى الحقائق، وعلقت بأنّ القرار اتخذ بالإجماع من كافة دول المجموعة، وهو قرار اقتصادي بحت. وما زاد الطين بلة، أنّ قراراً مدعوماً من السعودية بأن تتوقف مجموعة “أوبك بلس” عن استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية، وهي الهيئة الغربية لمراقبة قطاع الطاقة، ما يعكس المخاوف من التأثير الأميركي على البيانات.
وأخيراً، يبدو انّ زيارة بايدن للسعودية في تموز/ يوليو لم تفعل شيئاً يُذكر لتغيير تصميم محمد بن سلمان على رسم سياسة خارجية مستقلة عن النفوذ الأميركي، خاصة أنّ الزيارة أغضبت ولي العهد، الذي كان منزعجاً من أنّ بايدن تحدث علناً عن تعليقاته الخاصة مع العائلة المالكة بشأن وفاة الصحافي جمال خاشقجي. وهذا لا يعني انّ البيت الأبيض سيتجه لاتخاذ قرارات عقابية واضحة تجاه الرياض، فهو وعلى الرغم من العلاقات بين كلّ من المملكة والولايات المتحدة شهدت مداً وجزراً على مدى عقود خلت وحتى الفترة الحالية، إلا انّ الدولتين تتمتعان بشراكة استراتيجية، مدعومة بمصالح مشتركة. فالبلدان يشتركان في رؤية متوافقة تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية، من مسألة الملف النووي الإيراني، والتحالف الرباعي ضدّ اليمن، وغيرها من الملفات الإقليمية والدولية.
وعليه فإنّ ما يجمع واشنطن والرياض أكبر بكثير مما يمكن أن يزعزع علاقة البلدين الشاملة في كافة المستويات. بيد أنَّ هذه العلاقات تعرّضت وتتعرّض في أوقات كثيرة لمثل هذه الهزات، إلا أنَّه من المستبعد أن تذهب ردود الأفعال إلى مستويات بعيدة، خصوصاً أنّ قرار «أوبك بلس» لم يكن سعودياً بحتاً.