الإطار الناظم المؤقت لتقاسم ثروات النفط والغاز
ناصر قنديل
– ليس أمراً شكلياً توصيف الوثيقة التي ستصبح الإطار المكتوب الوحيد لاستثمار النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، بما يخصّ كل من لبنان وكيان الاحتلال، والتوصيف بمفردة او أكثر ليس أمراً تجميلياً أو تقبيحياً، أي أن لا وظيفة سياسية مسبقة لاختياره، بل كما يفترض يجب أن يكون التوصيف تعبيراً عن حقيقة الوضع. فالقول بمعاهدة له معانٍ وتعابير والقول باتفاق له معانٍ أخرى وتعابير أخرى والقول بتفاهم كذلك. وما بين أيدينا ليس واحدا من هذه التوصيفات لأن ليس أمامنا نص يقول، بفريق أول وفريق ثانٍ يوقعان في ذيل الوثيقة، وما نحن بصدده هو شيء جديد يحتاج إلى تعريف، وهو كناية عن إطار ناظم وضعته دولة ثالثة، بين طرفين يرغب أحدهما بالتفاوض المباشر والاتفاق المباشر وصولاً للسلام والتطبيع ويرفض الآخر أي شكل من أشكال التفاوض المباشر، بالاتفاق المباشر، فكيف السلام والتطبيع، فحلّ مكان المعاهدة والاتفاق واقترب من التفاهم، بالقياس إلى نماذج سابقة مثل اتفاق الهدنة الذي وقعه ممثلون عن الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، وأقرب الى التفاهم مقارنة بتفاهم نيسان 1996 الذي صدر عن وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر، لكنه أعلن بموجب المادة الرابعة منه في كل من بيروت وتل أبيب في 26 نيسان 1996 كتفاهم بين الحكومتين، بينما نحن هنا أمام إطار أميركي يخاطب الطرفين اللبناني والإسرائيلي لوضع قواعد تتعلق بكيفية استثمار ثروات النفط والغاز في شرق المتوسط، خصوصاً في المناطق الواقعة على حدود لبنان الجنوبية.
– الإطار الناظم ليس معنياً بترسيم الحدود، كما يقول في نصوصه، رغم استعماله كلمتي ترسيم وحدود، فعندما تبقى المنطقة المتصلة بالبر وفقاً لنصوص الإطار غير محددة وغير مرسمة، ويحتفظ كل طرف بموقف قانوني مختلف في توصيفه لها، هذا يعني أن الترسيم لم ينجز، ومعلوم أن الحاجة لترسيم أي جزء من أي خط حدودي قد تؤدي عند القيام بها الى تغيير كامل الخط الحدودي، خصوصاً ان الجزء غير المرسّم هو المتصل باليابسة، ومعلوم أن هذا يجعله حاكماً في ترسيم الباقي، والتدقيق بفقرات النص يؤكد أن موضوعه الحاكم ليس ترسيم الحدود، بل تنظيم استثمار ثروات النفط والغاز، وتحييد مشاكل الترسيم عن هذا التنظيم الاقتصادي، ووضعيّة حقل قانا تكفي لتأكيد ذلك، فالحقل الذي تمّ تثبيت كامل حقوقه للبنان يقع في مدى غير معلوم جزء أساسيّ منه خارج الخط المعتمد في الإطار لتقاسم الثروات وهو الخط 23، ولم يمنع ذلك باعتباره حقلاً لبنانياً خالصاً، ولكن ذلك لم يرتب تعديل الخط المرسم بهدف احتوائه، ولا تمّ استبعاده لوقوعه خارج الخط، بل تمّ وضع إطار ناظم لتقاسم ثرواته، ينسجم مع رفض لبنان للتطبيع، بجعل حصة الكيان منه من ضمن حصة الشركة المشغلة، دون أي تداخل مع حصة لبنان وحقوقه، وهذا كله يجعله اطاراً موقتاً حتى يتم ترسيم الحدود البحرية بصورة نهائية، رغم أن النص يصفه بالاتفاق الدائم.
– يغلب على الإطار الناظم طابع التغاضي بدلاً من التراضي، فنحن من جهة أمام تغاضي لبنان عن خط الطفافات دون التراجع عن اعتباره غير قانوني وغير شرعي، وأمام تغاضي لبنان أيضاً عن وجود اتفاق بين حكومة الكيان والشركة المشغلة لدى لبنان تنال بموجبه ما تسميه تعويضاً، عن حصتها من حقل قانا، وبالمقابل نحن أمام تغاضي حكومة كيان الاحتلال عن تمدّد حصة لبنان خارج الخط 23 دون الاعتراض على تجاوز ما يفترض أنه خط حدودي لو كان الأمر يتصل بالترسيم، وكذلك تغاضي حكومة الاحتلال عن رفض لبنان توقيع أي اتفاق معها، ورفضه لأي شراكة مالية مباشرة بينه وبينها، ومثلها تغاضي حكومة الاحتلال عن ربط ترسيم المنطقة الفاصلة بين منطقة حقول الغاز والنفط واليابسة بإنهاء إشكالات النقاط الحدودية البرية، ما ينسف صفة الديمومة القانونية عن خطوط ترسيم بحرية، وهذا يعني شيئاً واحداً أن الأولوية في النص هي لكسب الوقت للمباشرة في الاستثمار، الذي كان لبنان ممنوعاً عنه، والذي يحتاج الكيان مواصلته بسرعة بعدما منعته معادلات المقاومة من ذلك.
– هذا إطار ناظم مؤقت لتقاسم الثروات البحرية ريثما يتم الترسيم النهائي للحدود، وقد يكون مجحفاً لحق لبنان أو العكس، أو قد يكون سيئاً أو العكس، لكن نقاشه وتقييمه يجب أن يبدأ من هنا، بصفته إطاراً ناظماً مؤقتاً لتقاسم الثروات البحرية.