«الخديعة الكبرى» وهزالة الموقف «الإسرائيلي»
} نمر أبي ديب
قد تكون التحديات الانتخابية كما «العواصف السياسية» التي شهدتها مؤخراً الساحة «الإسرائيلية»، سبباً استثنائياً يُضاف إلى سلسلة استطلاعات الرأي، التي تحدّثت عنها صحيفة «معاريف»، وبَيَّنت على مستوى السياسة الداخلية حجم التحوّل المُتنامي في خيارات «الإسرائيليين» ورهاناتهم السياسية، حيث تميل الدفة الانتخابية في بعض الاستطلاعات إلى رئيس المعارضة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وذلك للمرة الأول منذ أشهر، وهذا يعطيه تلقائياً إمكانية تشكيل الحكومة المقبلة، وتصدّر الواجهة السياسية انطلاقاً من حسابات «إسرائيلية» مختلفة أكَّدَت في مُجمَلها حصول الكتلة اليمينية على 61 مقعداً، ضمن فرضية إجراء الإنتخابات البرلمانية الكنيست في الوقت الحالي.
وهنا تجدر الإشارة إلى استثمار القوى السياسية في الداخل «الإسرائيلي» بمفاعيل الترسيم البحري ودخول الاتفاق الذي لم يوقع بعد بازار الصراع الحكومي والتنافس بين نتنياهو ورئيس الحكومة الحالي يائير لابيد على ترجيح الكفة الانتخابية، وتصدّر الواجهة السياسية مع ما يتضمّنه هذا الصراع من انعكاس واضح للخلفيات السياسية، والحسابات الانتخابية، التي حمَّل من خلالها نتنياهو خصمه لابيد مسؤولية التراجع «الإسرائيلي» و«الاستسلام» الكامل في السياسة التفاوضية من جهة والخيار العسكري لمعادلة المتوسط الجديدة، وفق الطرح الذي قدّمه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وحدّد من خلاله الترتيبات السياسية، الأمنية وحتى العسكرية الهادفة إلى حماية المكتسبات من جهة، و«حق لبنان الطبيعي» بـ غاز ونفط المتوسط من جهة ثانية، كما الشروع في تكريس معادلة «استثمار الضمانة النفطية» بشكل كامل، والعمل بمفاعيل «فلسفة القوة» التي أكَّدت فيها التجربة الميدانية على جملة عوامل أساسية وعناوين مركزية من بينها.
ـ معادلة المتوسط التي أفقدت بـ موازين القوة اللبنانية الإدارة «الإسرائيلية» الحالية إمكانية فرض الوقائع، وأيضاً صياغة سياسات الحسم الاستراتيجي في ملفات عديدة كبرى، وأساسية أبرزها ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، الملف العابر في أبعاده السياسية العسكرية والاقتصادية للمساحات الجغرافية المتداخلة، والتي هي موضع صراع مع الكيان «الاسرائيلي».
ـ التفاوض الاستراتيجي وقدرات الردع السياسي، العابر في الشكل والمضمون لمبدأ «الاحتواء الدفاعي» وتقديم التنازلات، إلى مراحل فرض الوقائع في الدرجة الأولى، رسم المسارات، واعتماد سياسات المواجهة مع الكيان «الإسرائيلي» اليوم، وغيره في مراحل لاحقة ضمن معركة ترسيم «الحدود العالمية» لـ «نفط وغاز المتوسط»، يُضاف إليها معركة تحصيل «الامتيازات» الضامنة على مستوى المتغيّرات الدولية والأوروبية تحديداً، موقع لبنان الجديد وحقه الطبيعي في استخراج الثروة النفطية وتصديرها.
ـ التحوّل الوجودي في مسار الأولويات الناظمة للمشهد الإقليمي عموماً واللبناني ـ «الإسرائيلي» خصوصاً، انطلاقاً من فائض القوة الذي عكسته معادلة المتوسط الجديدة، وتأثيره المباشر على خطوط الفصل العسكري بين لبنان و«إسرائيل»، وأيضاً على مجمل الخيارات الاستراتيجية السياسية والعسكرية، التي وجدت فيها القوى المعارضة لرئيس الوزراء الحالي يائير لابيد، نقطة تحوّل سلبي في مسار «إسرائيل» العسكري ومقارباتها السياسية لمجمل الملفات الخارجية.
يأتي الكلام الصادر عن مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر (إسرائيل قدّمت تنازلات أكبر في اتفاق الترسيم بسبب الخطر المتزايد لحزب الله وتطوّر أسلحته) ترجمة عملية مرفقة بتأكيد سياسي على جملة العناوين المطروحة، التي فرضتها معادلة المتوسط على الساحة الإقليمية بشكل عام والنفطية تحديداً كما العمل بمفاعيل وأحكام «فلسفة القوة» التي كشفت للداخل «الإسرائيلي» قبل الخارج اللبناني والإقليمي حجم الترهّل السياسي في «بنية الكيان» والشيخوخة الداخلية إضافة إلى «الخديعة الاسرائيلية» المتمثلة في «استعراض قوة» غير فاعل، أو قادر في حدّه الأدنى على ترجمة المواقف التصعيدية للكيان «الإسرائيلي» من جهة والعمل بمقدرات «الكيان الذي لا يُقهر» الذي انتهت مفاعيله العسكرية في حرب تموز 2006 ومفاعيله السياسية في تفاهم تشرين البحري 2022 وما بينهما، من محطات أساسية مفصلية ومسار من الغطرسة السياسية والاستكبار الأمني وحتى العسكري مع لبنان.
«لبنان على الخارطة النفطية الجديدة لدول المتوسط»، حقيقة وجودية ثابتة بمعزل عن توقيع التفاهم البحري مع الكيان «الإسرائيلي» من عدمه وهنا نتحدث عن معادلة تاريخية فرضتها القدرة اللبنانية على امتلاك مقومات المواجهة، والانتقال في السياسة التفاوضية والمواجهة العسكرية من «خط الدفاع الأول إلى مساحات هجومية متقدّمة» وسط مراوحة «إسرائيلية» قاتلة، يتقدّمها عجز استثنائي نابع من ترجمات ميدانية لـ «خديعة تاريخية» سقطت مؤثراتها الاستراتيجية مع سقوط «الهيمنة السياسية» في «تفاهم تشرين البحري» ودخول الكيان «الإسرائيلي» بمكوناته السياسية، الدبلوماسية، والعسكرية مرحلة الغياب الكامل لمعادلة «الصقور الحاكمة».