التعليق السياسي
قراءة ميزان القوى بين موسكو واشنطن
منذ بداية الحرب بين موسكو وواشنطن من البوابة الأوكرانية وصولاً إلى بوابات الغاز والنفط، وفي العالم قراءتان متعاكستان لموازين القوى التي تفرزها وقائع المواجهة، بين من يقول إن موسكو تتفوق بقوة صمودها بوجه العقوبات الغربية ونجاحها بتفادي السقوط بالضربة القاضية والنجاح باحتوائها مالياً، كما تقول أسعار صرف الروبل التي سجلت تحسناً بدل الانهيار، ويضيف أن الرهان الروسي على الانهيار الأوروبي الاقتصادي والانهيار العسكري الأوكراني خلال الشهور المقبلة يفسر التباطؤ في العمل العسكري الروسي البري هجوميا؛ ومن يقول بالمقابل إن واشنطن نجحت بتحويل أوكرانيا الى حرب استنزاف لروسيا وإن التفوق البري الأوكراني سيشكل عنصر تغيير في وجهة الحرب.
الحسم في مثل هذه النقاشات يجب أن يستند إلى معايير لا يمكن الاختلاف على مكانتها في تقدير الموقف، ولا في تحديد وجهة الإشارة التي تقدمها. وفي هذا السياق تبرز مواقف ثلاثة حلفاء شديدي الأهمية لواشنطن تصلح لتكون أدوات قياس حاسمة، أولاً تركيا العضو في حلف الأطلسي التي تذهب بعيداً عن واشنطن وتقترب أكثر فأكثر من روسيا تعبر عن قراءة قوامها أن الكفة الراجحة هي لروسيا. وهذا معنى القرار التركي بالانضمام الى منظمة شانغهاي والبدء بإنشاء مركز لتوزيع الغاز الروسي، وثانياً السعودية التي لا جدال حول حجم حلفها مع واشنطن ولا التباس حول حجم الغضب الذي سببته لواشنطن بدورها في قرار أوبك بلاس تخفيض إنتاج النفط مليوني برميل يومياً، ولا حول مصلحة روسيا بالقرار، بما يعني قراءة سعودية تقول بأن واشنطن ليست في أحسن أوضاعها، وأن موسكو تمثل وجهة مستقبلية أشد أهمية لا تجوز خسارة فرصة التقرب منها، أما الجهة الثالثة والتي لا لبس بموقعها لدى الأميركي فهي كيان الاحتلال، وفي ملف يخصّ أوكرانيا والحرب مع روسيا بالمباشر.
منذ بداية الحرب في أوكرانيا والحيرة تحكم مواقف حكومة الاحتلال في كيفية التعامل مع مفردات الحرب، رغم وقوف القيادات الإسرائيلية الى جانب القيادة الأوكرانية موضوعياً في حرب واحدة، حتى جاء الطلب الأوكراني بالحصول على اسلحة إسرائيلية وما رافقه من تحذير روسي لقادة الكيان من المخاطرة بالتلبية لأن ذلك يعني تدمير العلاقة الروسية الإسرائيلية. وجاء الجواب الإسرائيلي أمس على لسان وزير الحرب بني غانتس بالاعتذار عن عدم تلبية الطلب الأوكراني والتذرع باعتبارات عملياتية، ولذلك معنى واحد وهو خشية الرد الروسي في حال القيام بالعكس.
لو كانت روسيا تخسر الحرب، لكان لحم روسيا قد بدأ نهشه من حلفاء واشنطن، الذين بدأوا يستشعرون ضعفها، ويسهرون على مراعاة كيفية بناء علاقاتهم المتوازنة بين موسكو وواشنطن، ولا شيء غير موازين القوى يفسر هذه “العقلانية”!