أولى

التعليق السياسي

بريطانيا أول الشتاء الأوروبي الساخن
بالإضافة لما تقوله مشاهد الشوارع الأوروبية المتحركة، يقدم المشهد البريطاني صورة هي الأشد تعبيراً عن الأزمة الأوروبية، حيث فشلت محاولات تقزيم الأزمة واختزالها بصفتها أزمة تقليدية حزبية أو حكومية، أو أزمة تقنية مالية أو ضرائبية، ولعل هذا هو المعنى الأهم لسقوط حكومة ليز تراس بعد أقل من شهر ونصف على تسلمها السلطة.
ما سيحدث بداية هو محاولة أو محاولات إضافية للسيطرة على الأزمة باعتماد الطرق التقليدية، أي تسمية مرشح بديل وتشكيل حكومة جديدة، سواء جاء الاسم من الخزائن القديمة او من الجيل الجديد. ومثلها محاولات تقنية متلاحقة مرة بخفض الضرائب ومرة بزيادتها ومرة برفع الفائدة ومرة بتخفيضها، لكن النتيجة تبقى هي ذاتها أزمة متنامية متفاقمة ومستديمة.
الأزمة هي ثمرة عجز الحكومات الأوروبية ومعها شرائح مهمة من الرأي العام في مجتمعاتها، بفعل النظرة العنصرية، عن فهم حقيقة أن الجغرافيا مستبدّة، وأن الانفراج في الأمن والاقتصاد في أوروبا يقومان على التفاهم مع روسيا وليس على التصادم معها، وأنه طالما بقيت الأزمة الأوروبية الروسية فأزمة الاقتصاد الناتجة عن أزمة الطاقة إلى تصاعد، وأن على الشركات وعلى العاملين وعلى المستهلكين أن يدفعوا الثمن ارتفاعاً في الأسعار وزيادة في نسبة البطالة، وتكاثر الشركات التي تعلن إفلاسها، والشكوى من نقص التزوّد بالكهرباء وتراجع التدفئة في الشتاء.
الردّ على الأزمة تقليدياً وتقنياً يعني في الوقت نفسه تأمين فرص العمل وتخفيض الأسعار وزيادة الأجور، وتخفيض أكلاف الإنتاج، وهذه استحالة. وكل زيادة أجور تزيد التضخم وتخفض سعر العملة، وتتسبّب بزيادة كلفة الإنتاج وتقفل المزيد من الشركات، وكل رفض تعديل الأجور، يعني تخفيض مستوى المعيشة، وكل زيادة في الفوائد لسحب السيولة النقدية سيتسبب بتراجع الاستثمار لارتفاع كلفة الاستدانة، وبالتالي تراجع فرص العمل، وأوروبا في حلقة مفرغة من الأزمات عنوانها واحد، لا حل الا بالحصول على الطاقة بسعر مخفض فقط لا غير، ولا مورد لهذه الطاقة المنخفضة الكلفة لا روسيا، ولا طريق للحصول عليها الا بالتفاهم السياسي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى