المقاومة الشبابية الجديدة في الضفة والقدس: مشهد جديد في النضال الوطني التحرّري ضدّ الاحتلال
} حسن حردان
انّ ما تشهده الضفة الغريبة والقدس المحتلتين من تصاعد في منسوب عمليات المقاومة المسلحة، والمواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال الصهيوني، لم يعد مجرد انتفاضة متقطعة على غرار السنوات الماضية، بل هو تعبير عملي عن بداية انتفاضة شعبية باتت تأخذ طابع الاستمرار، ببُعديها الجماهيري والمسلح، حيث ينخرط فيها ويقودها الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني بقوة وفعالية تذكرنا ببدايات الانتفاضتين الأولى والثانية اللتين شكلتا محطتين هامتين في النضال الوطني الفلسطيني ضدّ الاحتلال…
لكن ما يميّز الانتفاضة الجديدة، التي تشكل استمراراً لانتفاضات الشعب الفلسطيني، التي لم تتوقف أصلاً، وإنما أخذت أشكالاً جديدة نابعة من كلّ مرحلة، انّ ما يميّز هذه الانتفاضة الجديدة جملة من الدلالات التالية:
الدلالة الأولى، تبلور الوعي لدى الجيل الجديد من الشباب، الذين يشكلون القوة الأساسية الدافعة التي أشعلت المقاومة المسلحة، والمواجهات الشعبية.. ويتجلى هذا الوعي في إدراك واضح لأهمية العودة إلى اتباع خيار الكفاح المسلح المستند إلى الدعم الشعبي، باعتباره السبيل لمواجهة الاحتلال وعدوانه المتواصل على الشعب والارض الفلسطينية، لا سيما بعد أن تبيّن بالتجربة سقوط كلّ الرهانات على «سلام أوسلو» المزعوم مع عدو غاصب يؤكد كلّ يوم بانه لا يفهم سوى لغة المقاومة.. وتبيّن مدى خطورة الركون له، فيما الاحتلال يواصل سياسات القتل والتنكيل والاعتقالات والاستيلاء التدريجي على أرض وممتلكات الفلسطينيين..
الدلالة الثانية، تبلور أطر للمقاومة الجديدة عمادها الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني، أمثال عدي التميمي وباسل الأعرج وإبراهيم النابلسي إلخ… وتجلت هذه الأطر بمجموعات، عرين الأسود في مدينة نابلس، وكتيبة مخيم جنين، وكتيبة مخيم بلاطة إلخ… وتتميّز هذه المجموعات في كونها:
1 ـ أطر نضالية مقاومة نجحت في استقطاب الشباب، والحصول على تأييد كبير ومتزايد في أوساط الجيل الجديد الطامح إلى الانخراط في المقاومة الجديدة ضدّ الاحتلال، ولهذا باتت هذه الأطر تضمّ المئات من الشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18 عاماً وما فوق و»عينهم» كما تقول أجهزة أمن الاحتلال على «تيك توك» و»يجدون أنّ التعاطف معهم كبير جداً».
2 ـ حركات شبابية متعلمة تجيد مخاطبة الرأي العام الفلسطيني، وتحسن استخدام لغة التخاطب عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت وسيلة هامة لتعبئة الجماهير بخطاب ثوري جديد يتسم بالابتعاد عن إثارة الحساسيات، ويعمل على تكريس الوحدة الوطنية في ميدان المواجهة مع الاحتلال، وتجنّب الدخول في تصريحات لها انعكاسات سلبية على المقاومة الجديدة الناشئة، لا سيما تجنّب ايّ مواقف ضدّ السلطة الفلسطينية، لقطع الطريق على الفتنة التي يسعى إليها الاحتلال لوأد هذه المقاومة.
3 ـ أطر نضالية ليس لها هرمية تنظيمية أو توجيه من الخارج، باعتراف الاحتلال، ما يؤكد أنها تعبّر عن إرادة وطنية فلسطينية حقيقية، وعن واقع شعبي بات يعيش في حالة غليان حقيقي.. الأمر الذي يزيد من الصعوبات أمام سياسات الاحتلال الأمنية والقمعية لمحاولة القضاء على هذه الأطر وبالتالي الفشل في إضعافها وإخماد مقاومتها.
4 ـ الجرأة والشجاعة والقدرة المتزايدة على تنفيذ العمليات الفدائية بوتائر متصاعدة، وإيقاع الخسائر في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين الصهاينة، مما جعل من كلّ عملية، ومواجهة تحصل محطة لاشتعال الحماس والتأييد الشعبي في عموم الضفة الغربية والقدس المحتلتين، واستطراداً في كلّ أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، فيما شكل دخول المقاومين في عمليات اشتباك مباشر مع جنود العدو، والقتال حتى الاستشهاد، على غرار الاشتباك الذي خاضه أخيراً الشهيد عدي التميمي، وقبله ابراهيم النابلسي، دليلاً ساطعاً على البطولة والشجاعة التي بات يتميّز بها المقاومون، إنّ كان في تنظيم الهجمات الناجحة على مواقع وحواجز ودوريات جنود العدو، أو في خوض القتال معهم على الرغم من الاختلال الكبير في ميدان المواجهة، مقاوم واحد، أو بضعة مقاومين، في مقابل مجموعة كبيرة من قوات كبيرة من جنود العدو مزوّدين بأحدث الأسلحة…
5 ـ امتلاك القدرة على تنفيذ عمليات فدائية مكثفة ضدّ جنود العدو والمستوطنين الصهاينة، إن كانت عمليات إطلاق نار، أو عبوات ناسفة، أو طعن، ودهس بالسيارات، أو إلقاء حجارة على دوريات الاحتلال… حيث قدّر مجموع ما نفذ من هذه العمليات خلال شهر بـ 833 عملية.. وهذا مستوى كبير بات يقلق ويرعب قادة العدو وأجهزتهم الأمنية، لأنه من جهة يؤشر إلى فقدانهم السيطرة على الوضع، ومن جهة ثانية يكشف الفشل الأمني الصهيوني في الحصول على إنذارات مبكرة تسبق تنفيذ هذه العمليات، لا سيما العسكرية منها.. وهذا مؤشر قوي على انّ أجهزة الأمن الصهيونية باتت تعاني من تصاعد ملحوظ في عمليات المقاومين في الضفة والقدس رغم حملات القتل والاعتقال والحصار للمدن والمخيمات.. لا بل انّ إجراءات الاحتلال التعسفية المذكورة آنفاً تؤدّي إلى تأجيج المقاومة، وحسب المعلقين الصهاينة، أصبحت تتسبّب بـ «غليان شعبي في كلّ المدن والبلدات والمخيمات في الضفة والقدس»..
هذه المميّزات المهمة في دلالاتها تجعلنا أمام مشهد جديد في حركة النضال الوطني الفلسطيني التحرري، واحتمالات تجذر المقاومة الشبابية الجديدة في الواقع الشعبي الفلسطيني، آخذة بالاعتبار التجربة الماضية، مستفيدة من ايجابياتها وثغراتها، مما يجعلها قادرة على:
أ ـ تغليب التناقض الرئيس في الصراع مع الاحتلال الصهيوني، على ايّ المسائل الثانوية، وهو ما تقوم بها مجموعات المقاومة الناشئة.
ب ـ كسب التأييد الشعبي الواسع الذي يوفر الحماية والاحتضان للمقاومين من ملاحقات قوات الاحتلال والعملاء…
وهذا يعني اننا أمام محطة جديدة لإعطاء حركة النضال الوطني الفلسطيني، التي طالما شكل الشباب عمادها وأساس تطورها، وعياً وعملاً مقاوماً مبنياً على قناعة تنطلق من أنه الخيار الاستراتيجي لمواجهة الاحتلال وعدوانه المتواصل على الأرض والشعب، وتحرير أرض فلسطين من المحتلين والمستعمرين والمستوطنين الصهاينة.. وهو ما شكل جوهر وصايا المقاومين باسل الأعرج وإبراهيم النابلسي وعدي التميمي، قبل استشهادهم…