انهيار الهدنة: «دول التحالف» ما بين أمرين أحلاهما مرّ
} محمد ناس
منعطف جديد وخطير تمرّ به المنطقة بعد إعلان المبعوث الأممي في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، فشل التوصل إلى تجديد الهدنة، وتواجه الرياض والإمارات ضغوطاً غير مسبوقة بعد تلويح أنصار الله بعودتها إلى الميدان. فإلى أين تسير التطورات وما هي تداعيات انهيار الهدنة!؟ وهل الإمارات قادرة على حماية أمنها؟
تصاعدت حدة التوترات بين أطراف الهدنة في اليمن التي وصلت عملية تجديدها للمرة الرابعة إلى طريق مسدود بعدما وصفت الأمم المتحدة مطالب صنعاء بالتعجيزية والمتطرفة.
وتسعى صنعاء لتحقيق هدنة شاملة وحقيقية تصون المصالح الوطنية للشعب اليمني المتمثلة، في رفع الحصار عن الموانئ والسفن والمطارات، ووصول النفط والمحروقات والمواد الغذائية بصورة أوسع، وفتح المطارات بصورة طبيعية أمام الملاحة الجوية، ودفع مرتبات العسكريين ولكن رفضت الشرعية والتحالف الداعم لها مطالب صنعاء ما دعا جماعة أنصار الله إلى إطلاق تحذيرات جدية ولكن هذه المرة بدون خطوط حمراء، وفق وزير الدفاع اليمني.
وحذرت قبل أيام، حركة أنصار الله باستهداف منشآت الطاقة في السعودية والإمارات مجدداً في أعقاب انتهاء هدنة وقف إطلاق النار التي استمرت لستة أشهر. ويعتبر تحذير سلطة صنعاء أكبر تهديد يواجه السعودية والإمارات معاً في الوقت الراهن مما يضع دول التحالف في حالة تأهّب محتملة لأنظمة الدفاع.
ففي عام 2019، علقت السعودية ـ أكبر مصدر للنفط الخام في العالم ـ نصف إنتاجها من الذهب الأسود بسبب ضربة بطائرة بدون طيار على منشآت شركة أرامكو المملوكة للدولة، تبنّتها جماعة أنصار الله في اليمن. وفي آذار/ مارس 2021، تعرّضت مصفاة الرياض لتكرير النفط لهجوم بطائرات مُسيّرة أدى إلى اندلاع النيران فيها.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، استهدفت جماعة أنصار الله محطة توزيع للمنتجات البترولية تابعة لشركة أرامكو بصاروخ في شمال مدينة جدّة. ووقع الهجوم في وقت تمرّ فيه أسواق النفط العالمية بحالة من التخبّط على وقع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا واحتمالية تأثر إمدادات الطاقة بسبب الحرب.
وفي وقت لاحق استهدفت جماعة أنصار الله العمق الإماراتي (مطاري دبي وأبو ظبي)، ومنشآت «حساسة» في الإمارات بـ 5 صواريخ باليستية، وعدد «كبير» من المُسيّرات، اسفرت عن انفجار ثلاثة صهاريج نقل محروقات بترولية، ووقوع حريق في منطقة الإنشاءات الجديدة قرب مطار أبو ظبي، وأسفر أحدهما عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 6، فهل الإمارات قادرة على التصدي لهذه الهجمات؟
واستقبلت الرياض والإمارات وحلفاؤهم تحذيرات صنعاء على محمل الجدّ، خصوصاً بعدما أظهرت الهجمات السابقة التي نفذها الحوثيون على المنشآت النفط السعودية ضعفاً عسكرياً لدى المملكة.
وفي السياق نفسه يعتبر الاقتصاد الإماراتي من الاقتصادات التي تعتمد على السياحة والتجارة، بالإضافة إلى النفط. وبالتالي لا تحتمل أيّ أعمال عسكرية وتهديدات خارجية، وهو الأمر الذي وجد الحوثيون فيه ضالتهم.
وليس من مصلحة السعودية والإمارات تعريض منشآت النفط لديهم للتهديد خصوصاً انّ صنعاء نفذت هجمات ناجحة سابقاً ولا يحتاج أمر «إخراج منشآت النفط عن الخدمة» إلا الى أوامر التنفيذ فقط!
ومن الواضح انّ الخسارة من عدم الاستجابة لرؤية صنعاء في تمديد الهدنة ستكون لها تداعيات أوسع نطاقاً خصوصاً انّ التحذيرات تأتي على وقع قرار منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» والدول المنتجة للنفط المتحالفة معها «أوبك بلس» في خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، القرار الذي تسبّب في حالة غير مسبوقة من الهلع والغضب في واشنطن وأوروبا، نظراً لما له من تداعيات سياسية واقتصادية سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها والدول المستهلكة للنفط على حدّ سواء.
ذكاء قادة صنعاء
في إدارة دفة الحرب
أظهر أنصار الله تفوّقاً قلّ نظيره في الميدان والسياسة، ويستطيع المتابع أنّ يلاحظ كيف انّ العقل الذي يدير دفة الحرب يتمتع بقدر كبير من الدهاء الذي يدفعك إلى احترامه والاعتماد عليه كقوة فاعلة من خارج دائرة الهيمنة الأميركية.
في بداية الحرب، كان ردّ الحوثيين في الغالب على السعودية يقتصر على ضرب أهداف على طول الحدود السعودية مع شمال اليمن.
لكن نطاق تطور أسلحتهم قد زاد بسرعة، مما مكنهم من استهداف المواقع الحساسة بدقة ومع الوقت أصبحت قوة قادرة على تنفيذ هجمات تتجاوز حدود اليمن وإحداث تحوّل سياسي أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط.
وساهم دعم الحلفاء في بناء ترسانة أسلحة ضخمة لصنعاء تضم عدداً من صواريخ كروز والصواريخ البالستية وقوارب كاميكازي المُسيّرة وطائرات مُسيّرة بعيدة المدى. بينما الرياض التي تخوض حرب «الاضطرار» ليس لديها حليف استراتيجي على الأرض وتعاني من ضعف عسكري في صدّ الهجمات اليمنية كما ذكرنا سابقاً.
وساعد التطور الذي تشهده التقنيات العسكرية على توسيع نطاق أهدافها عبر شبه الجزيرة العربية وتضخيم تهديداتها على المنشآت النفطية في دول الخليج ـ حلفاء الولايات المتحدة ـ وجعلت الجهود السعودية لإنهاء الحرب بعد أكثر من سبع سنوات من التدخل أكثر إلحاحاً.
وأثبتت سنوات الحرب أنّ «الشرعية» والتحالف الداعم لها بدت عاجزة عن تحقيق ايّ انتصارات تذكر وجرى التعامل مع <>سلطة الأمر الواقع>> في صنعاء بالندية؛ وبات من الواضح ان احتمالية تحقيق «حلم» الرياض بالحسم العسكري أصبحت منعدمة.
كلّ هذه التحوّلات لا تشي الا بتغيير في موازين القوى ليس لصالح سلطة صنعاء فحسب وإنما في المنطقة برمتها.
وفي الأخير تشير جميع تلك المعطيات الى انّ الرياض والإمارات بين أمرين أحلاهما مر فإنْ قبل دول التحالف بشروطها ربحت انصار الله لأنّ صنعاء سوف تستردّ مسروقاتها من الطاقة دون رصاصة واحدة، وانْ رفض خسرت لأنها سوف تقضي على ما تبقى من مخزونه الاستراتيجي في الطاقة بصواريخه البالستية.