عون لميقاتي: طبّق وحدة المعايير وتعال المساء لنصدر معاً مراسيم الحكومة / دعوة بري للحوار النيابي تجذب 100 نائب… والأولوية للتوافق على معايير تأمين النصاب / «إبراهيم الملفات الصعبة» يقود عودة النازحين: العودة طوعيّة… وسورية جدّية /
كتب المحرّر السياسيّ
رغم الارتباك الذي تسبّب به الموعد اللبناني مع الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في تحديد موعد زيارة الوفد اللبناني المكلف بترسيم الحدود مع سورية الى دمشق، بقي السؤال حول مدى قدرة الوفد ومن خلفه الحكومة على تحمل مسؤولية إدارة هذا التفاوض بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم الاثنين المقبل، من دون جواب، ويلقي بظله على جدية وجدوى السعي لبدء هذا التفاوض.
بصورة عكسية سلك ملف عودة النازحين السوريين بالتعاون بين حكومتي ومؤسسات الدولتين اللبنانية والسورية، طريق التنفيذ، رغم المساعي التخريبية التي تقودها منظمات دولية تعتاش على بقاء النازحين وجمعيات لبنانية تتقاسم معها الأموال، ومن خلفهما إرادة سياسية غربية تريد بقاء النازحين ورقة للعب السياسي، فيما تشهد معاناة النازحين وآخرها تفشي الكوليرا في مخيماتهم على حجم الفساد الذي يتحكم بإنفاق الأموال المخصصة للنازحين، والخطوة التي تستأنف اليوم بقيادة الأمن العام اللبناني بعد النجاح بتأمين عودة أكثر من نصف مليون نازح من أصل مليونين كشف عن وجودهم المدير العام للأمن العام اللواء ابراهيم، الذي ثبت أنه بأسلوب عمله الهادئ والجدي يشكل رجل المهمات الصعبة، ويحظى بثقة الجهات الداخلية والخارجية في المهام التي يتولاها ويصل بها الى بر الأمان ومنها ملف عودة النازحين السوريين، التي قال إبراهيم أنها تلقى التعاون الجدي من الدولة السورية.
في الشؤون الداخلية التي يتصدّرها مع اقتراب نهاية الولاية الرئاسية، خطر الشغور الرئاسي والفشل بتشكيل حكومة جديدة، لم تنجح زيارة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي الى قصر بعبدا ولقائه بالرئيس ميشال عون في تذليل العقبات من أمام ولادة حكومة جديدة، وصدر عن الرئيس عون كلام موجّه لميقاتي يدعوه فيه إلى تطبيق معيار واحد على حق استبدال الوزراء من الصيغة الحالية الى صيغة الحكومة الجديدة، ويعود الى بعبدا مساء ليتم إصدار المراسيم.
في الشأن الرئاسي قالت مصادر سياسية على صلة بمتابعة الاتصالات المتعلقة بالملف الرئاسي، إن الكلام الذي قاله رئيس مجلس النواب عن لا جدوى انعقاد المزيد من الجلسات النيابية يشكل قناعة عامة لدى الجميع في الداخل والخارج وسط الانسداد في التوافق على اسم مرشح يحظى بفرصة الوصول للرئاسة، عبر تأمين نصاب الحضور المتمثل بـ 86 نائباً وتصويت لا يقل عن 65 نائباً. وقالت المصادر إن دعوة الرئيس بري للحوار تحظى بقبول قرابة 100 نائب، سواء عبر حوار ثنائي يجريه رئيس المجلس مع رؤساء الكتل، أو عبر طاولة حوار يدعو لعقدها لهذه الغاية. ورجحت المصادر اللجوء إلى الحوار الثنائي، وأن تقدم للكتل ثلاثة أسئلة، الأول هل تشترط الكتلة موافقتها على اسم المرشح الرئاسي المقترح لحضور جلسة الانتخاب وتأمين النصاب، والثاني هل يمكن للكتلة أن تقبل المشاركة بتأمين النصاب إذا رسا التوافق على اسم من خارج الأسماء التي تقترحها وصار الخيار بين المرشح موضوع التوافق والوقوع في الفراغ، والثالث من هي الأسماء التي تعتقد الكتلة أنها تجسد معياراً مقبولاً لديها لتلبية مواصفات الرئيس التوافقي.
وانحسرت موجة التفاؤل بولادة الحكومة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إذ لم يخرج اللقاء بين عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي بأي جديد، وقد شكل كلام ميقاتي خلال مغادرته قصر بعبدا نعياً غير رسمي لولادة الحكومة، كما أشرت مواقف كل من عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ورد المكتب الإعلامي لميقاتي عليه، بأن المواقف على حالها وأننا سندخل الفراغ الرئاسي بحكومة تصريف الأعمال على الرغم من تأكيد مصادر «البناء» بأن الاتصالات والوساطات لن تتوقف بل مستمرة حتى مساء السبت المقبل ومن الممكن أن تحصل مفاجأة في ربع الساعة الأخير وبالتالي تبقى الآمال موجودة بولادة حكومة حتى آخر دقيقة بولاية عون.
وكان ميقاتي زار بعبدا وعرض مع عون للأوضاع العامة في البلاد ومسألة تشكيل الحكومة. وبعد اللقاء، لم يدلِ ميقاتي بأي تصريح، لكن عندما سئل هل ما زال ينوي المبيت في قصر بعبدا حتى تشكيل الحكومة؟ أجاب: «نقلوا كل شيء الى الرابية. ما في محل نام».
ووفق معلومات «البناء» فإن زيارة ميقاتي الى بعبدا كانت وداعيّة وطرح ميقاتي على عون إحياء تشكيلة 29 حزيران الماضي كمنطلق وأساس للتفاهم على بعض النقاط الخلافية.
وإذ أكدت معلومات «البناء» أن الأجواء السلبية وإن جمدت المساعي على خط التأليف يوم أمس، لكنها لن تتوقف نهائياً وستبقى الاتصالات مفتوحة حتى السبت المقبل. وأعلن المدير العام للأمن العام اللواء ابراهيم في هذا السياق أنه «رغم كلّ ما يُقال العمل مستمر في محاولة لتشكيل الحكومة».
وفور مغادرة ميقاتي قصر بعبدا، أطلق الرئيس عون سلسلة مواقف تصعيدية باتجاه السراي الحكومي، واعتبر أن «تطبيق معايير واحدة في تشكيل الحكومة، هو المدخل الصحيح لإنتاج حكومة فاعلة وقادرة على إدارة شؤون البلاد». وقال في دردشة مع الإعلاميين المعتمدين في القصر، إن «ما يجري حالياً في تشكيل الحكومة يناقض مبدأ وحدة المعايير، فالجهات المشاركة في الحكومة تسمي هي وزراءها، وعندما يأتي دور «التيار الوطني الحر» في عملية التسمية، يصار الى التمسك بالتدخل واختيارهم الوزراء وليس الجهة السياسية المعنية. وهذا امر غير طبيعي ولا يمكن القبول به. فعندما يريد كل فريق أن يختار وزراءه، على الآخرين ان يقبلوا باعتماد معيار واحد للجميع وعدم الاعتراض».
وعن صلاحيات الحكومة الحالية اذا حصل شغور رئاسي، اوضح رئيس الجمهورية ان الحكومة ستكون منتقصة الصلاحيات، وبالتالي لا يمكن أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة. وقال «إن حل الأمور بسيط جداً، وقد طلبنا من الرئيس ميقاتي اليوم بأن يساوي الجميع في عملية التشكيل وأن يعود مساء الى قصر بعبدا لإصدار المراسيم».
مواقف عون أُتبِعت برسائل عالية السقف أطلقها النائب باسيل الذي اعتبر أن «مَن يظن أن حكومة تصريف الأعمال ستتولى صلاحيات الرئاسة فهو مخطئ، وهذا مس بالدستور، وهي هيئة دستورية فاقدة شرعيتها وميثاقيتها، ورئيسها يقول «بلا ما نعمل حكومة فلننتخب رئيساً»، هو يريد بالتحدي حكومة تأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية ويأخذ البلد إلى فتنة تماماً كما مَن يريد رئيس تحدّ. هذه مجزرة دستورية لن نسمح بها وسنواجهها بكل ما أوتينا من قوة».
وحسم باسيل بأننا «لا نريد المشاركة ولن نعطي ثقة ولسنا معنيين وهم يريدوننا بالقوة أن يحملونا مسؤوليات».
في المقابل أبدت مصادر مؤيدة لموقف ميقاتي استغرابها إزاء طرح باسيل شروطه الحكومية بالجملة ويجاهر في الوقت نفسه بأنه لن يمنح الحكومة الثقة! وتوقفت المصادر عند كلام الرئيس عون حول وحدة المعايير، متسائلة: هل هي حكومة جديدة لكي نعتمد معايير التشكيل؟
ولفتت المصادر لـ»البناء» الى أن القضية ليست بالخلاف على وزير بالناقص أو بالزائد ولا بالجهة التي تسمّي الوزراء الذي اتفق على تغييرهم، بل بطرح باسيل جدول أعمال الحكومة مسبقاً ووجود نيات مبيتة للسيطرة على الحكم والتحكم بالبلد.
وشددت على أن الدستور واضح بتسلم حكومة تصريف الأعمال، وبالتالي حل الخلاف يكون بالعودة الى الدستور وأي طروحات أخرى من قبيل الاجتهاد.
وأعرب ميقاتي عن أسفه للكلام الانفعالي الذي صدر عن باسيل، في لحظة سياسية دقيقة تحتاج الى التعاون بين الجميع، لا الى اطلاق الاتهامات والمواقف جزافاً، واستخدام عبارات التحدّي والاستفزاز، وفق ما أشار بيان لمكتبه الإعلامي. واعتبر أن «الأنسب في هذا الظرف الصعب هو التعاضد لدرء الأخطار الداهمة عن الوطن، والتعاون بين أعضاء مجلس النواب ومنهم السيد باسيل لانتخاب رئيس جديد للبلاد ووضع الأمور مجدداً في إطارها الديموقراطي الطبيعي، ليس الا».
وأشارت أوساط سياسية لـ»البناء» الى أن لا مصلحة للتيار الوطني الحر بتأليف حكومة لا يتمثل فيها بحصة وازنة تعوّض عن غياب رئيس الجمهورية، وقد يكون الفراغ الحكومي والنزاع الدستوري على حكومة تصريف الأعمال بين عون وباسيل – ميقاتي، هو منصة سياسية رابحة لثنائي عون – باسيل لخوض معركة رئاسة الجمهورية، وفي المقابل لا يحبّذ ميقاتي أن يترأس حكومة يكون لباسيل فيها حصة مسيحية وزانة، ما يجله متحكماً بقراراتها بينما في حكومة تصريف الأعمال يستفرد بالحكم وصلاحيات رئيس الجمهورية حتى تأليف حكومة جديدة. وتخلص الأوساط الى أن الذهاب الى الفراغ بلا حكومة قد يكون المخرج لتعذّر تأليف حكومة جديدة والرهان على انتخاب رئيس للجمهورية لإنهاء الأزمة السياسية والدستورية التي بدأت طلائعها في سجال الأمس على خط بعبدا التيار – السراي الحكومي.
وإذ أظهرت جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة بأن ظروف انتخاب الرئيس الداخلية والخارجية لم تنضج بعد، علمت «البناء» أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لن يدعو الى الجلسة الخامسة للانتخاب قبل نهاية ولاية عون، فإنه يعتزم الدعوة الى طاولة حوار وطني بين رؤساء الكتل النيابية للبحث بالاستحقاق الرئاسي، وهو يجري مروحة اتصالات ومشاورات سياسية قبل الدعوة الى هذا الحوار الذي من المتوقع أن ينطلق خلال الأسبوع الثاني من تشرين الثاني المقبل.
وأبدت مصادر سياسية عبر «البناء» رهانها على تحرّك الرئيس بري المنتظر في تدوير الزوايا والتوفيق بين الكتل النيابية وجمعها على رؤية موحدة تنتج مرشحاً أو أكثر يتم الاختيار منهم ويتلاقى التوافق الداخلي ويتقاطع مع ظروف اقليمية ودولية تبدأ بالتبلور والتظهر بعد الانتخابات الأميركية الشهر المقبل، ويُصار الى الذهاب الى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس. مشدّدة على أن لا رئيس تحدّ والحل بالتوافق والنصاب هو سلاح لأي كتلة لضمان حق المشاركة وليس لصناعة الفراغ.
على صعيد آخر، وبعدما عمدت جهات معروفة العداء للدولة السورية ومعارضة بشدة للعهد، الى استغلال سوء وتضارب المواعيد بين المسؤولين اللبنانيين والسوريين للإيحاء بأن سورية أرادت استهداف الرئيس عون برفض استقبال الوفد اللبناني الذي كان يتحضر لزيارة سورية للبحث بمسألة ترسيم الحدود بين الدولتين، حسم السفير السوري علي عبد الكريم علي الأمر بالتأكيد على أن تزاحم المواعيد هو سبب إرجاء الزيارة ولم تلغَ.
وقال السفير السوري خلال زيارته بعبدا ولقائه عون مودعاً لمناسبة انتهاء مهامه الديبلوماسية في لبنان: «تبلغت بالكتاب من لبنان مساء الأحد، وذلك بشكل مـتأخر لأنه قيل بداية يوم الخميس، ثم عدل الموعد ليكون الأربعاء، فقلت لهم مع ذلك أننا نريد ان يكون هناك خطاب رسمي لكي يحدد الوزراء والمسؤولون في سورية المواعيد وفق برنامج مواعيدهم وارتباطاتهم. وبعدما وصل الكتاب متأخراً ولم يكن قد تحدّد او نوقش الموعد، أعلن من لبنان ان الوفد سيتوجه الاربعاء، وبالتالي جاء الرد. أن الموعد لم يلغ إنما قيل إنه يتفق عليه لاحقاً، لأنه بعدما ضرب الموعد يوم الأربعاء كان البرنامج في سورية ممتلئاً والارتباطات مسبقة».
ومنح عون السفير السوري وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر تقديراً لجهوده في تعزيز العلاقات اللبنانية – السورية وتطويرها في المجالات كافة.
وتتجه الأنظار الى الناقورة التي تشهد توقيع التفاهم على تقاسم الثروة والمنطقة الاقتصادية بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي كل على حدة بحضور الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الذي يصل الى بيروت في الساعات المقبلة.
وعشية وصوله استقبل ميقاتي سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروتي شيا.
عشية انطلاق قافلة تعيد نازحين سوريين من لبنان الى بلادهم، أكد اللواء إبراهيم، في مؤتمر صحافي، أن «ملف النازحين السوريين وطنيّ قوميّ»، وقال: «لم نلقَ من الجانب السوري إلا كل الترحيب والشفافية في التعاطي مع ملفّ عودة النازحين السوريين». ورأى أن «لملف النزوح انعكاسات سلبيّة على كلّ المستويات لذلك تجب معالجته، ولبنان يرفض طريقة التعاطي التي تتمّ معه من قبل كثيرين وعلى رأسهم منظّمات إنسانية وأخرى تدّعي الإنسانية تحاول أن تملي علينا إرادتها»، وقال: «لن نخضع للضغوطات لأنّ مصلحة الشعب اللبناني هي أوّلاً وأخيراً، ولن نُجبر أي نازح على العودة، وهذا مبدأ لدينا، ونسعى لتخفيف العبء عن لبنان». وكشف اللواء إبراهيم أن هناك مليونين و80 ألف نازح سوريّ موجودون حاليًّا في لبنان، وقرابة 540 ألف سوريّ عادوا طوعًا الى بلادهم منذ بدء الخطة عام 2017.