الإخوان المجرمون… ودعوات التظاهر!
} د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث عن جماعة الإخوان المجرمين وسعيهم الدائم لإثارة القلق والتوتر وعدم الاستقرار ونشر الفوضى في المجتمع المصري. فالجماعة التي أنشئت قبل ما يزيد عن تسعة عقود ونيّف من الزمان أصبحت جزءاً من التاريخ الأسود لمصر منذ بروزها على الساحة المجتمعية وحتى الآن…
والجماعة التي ولدت في أحضان الاحتلال البريطاني وترعرعت في كنفه وشملتها رعايته ودعمه سعت منذ لحظة الميلاد للوصول للسلطة رغم أنها أعلنت نفسها في البداية كجماعة دينية دعوية، ثم انتقلت للعمل الاجتماعي، ثم تبلور دورها السياسي مع تبلور الحركة السياسية في أربعينيات القرن العشرين، واعتمدت الجماعة العنف والاغتيال وسيلة للوصول للحكم فأنشأت التنظيم السري كميليشيا مسلحة وقامت بتدريب أعضائها على حمل السلاح واستخدامه لتصفية الخصوم السياسيين، فقامت باغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي قبل ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، ثم حاولت اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادث المنشية الشهير في 26 أكتوبر 1954، ثم اغتالت الرئيس السادات في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1981 بعد شهر عسل قصير بغية الوصول للحكم، وظلت تناور وتهادن الرئيس مبارك حتى قيام انتفاضة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 التي استغلتها أفضل استغلال عبر مليشياتها المسلحة التي اندسّت بين المتظاهرين لتنشر الفوضى وتقتل الأبرياء وتصعد على جثثهم لسدة الحكم.
وهنا لا بدّ من الوقوف طويلاً أمام مشهد الربيع العربي المزعوم لتأمله وإعادة تقييمه من أجل الخروج بالدروس المستفادة، فمما لا شك فيه أنّ أحداث هذا الربيع برمّتها مصطنعة ومدبّرة ومخطط لها بدقة. فالخروج لم يكن عشوائياً في كلّ الجمهوريات العربية، والتنظيم يؤكد أنّ هناك قوى كبرى تقف خلفه، وحتى الشعارات المستخدمة والمستنسخة مصاغة بدقة متناهية، (عيش ـ حرية ـ عدالة اجتماعية)، (الشعب يريد إسقاط النظام) شعارات رفعت في سماء عواصم الجمهوريات العربية، فهل كلّ ذلك كان عبثاً؟ لا وألف لا. فالعدو الأميركي كان هناك يخطط ويشرف على مشروعه التقسيمي والتفتيتي لأمتنا العربية، ذلك المشروع الذي عُرف وفضحت مخططاته في ما بعد والذي أطلق عليه «الشرق الأوسط الكبير (أو) الجديد»، وهنا وأثناء بحث العدو الأميركي عن آليات لتنفيذ مخططاته العدوانية ومؤامرته الكبرى على أمتنا العربية اكتشف أنّ أهمّ أدواته التنفيذية في الداخل العربي ستكون تلك الجماعة المجرمة التي صنعت على عين المخابرات البريطانية أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر في نهاية العقد الثالث من القرن العشرين، والتي استبدلت تبعيّتها من المخابرات البريطانية للمخابرات الأميركية عندما أصبحت الولايات المتحدة هي القوة الاستعمارية الأولى في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وبالفعل نجحت الجماعة بتنظيمها الدولي أن تعمل في خدمة العدو الأميركي أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي وساعدته كثيراً حتى سقط وتفكك الاتحاد وأصبحت أميركا هى القطب الأوحد الذي يدير المنظومة الدولية…
وعندما انطلقت موجة الربيع العربي المزعوم كانت الجماعة المجرمة جاهزة لتنفيذ تعليمات سيدها الأميركي بعد أن وعدها بأنها ستعتلي مقاعد الحكم في البلدان التي سيتمّ تقسيمها وتفتيتها.
وفشلت مخططات الجماعة المجرمة في مصر وتمّت الإطاحة بها من سدة الحكم بعد 30 يونيو/ حزيران 2013 ومنذ ذلك التاريخ والجماعة تمارس إرهابها على الأرض المصرية، وتمكنت الأجهزة الأمنية (جيش ـ شرطة) من مواجهة الجماعة على كامل جغرافية سيناء وأثناء سير المعارك قدّمت مصر خيرة شبابها كشهداء، وتمكنت مصر بفضل تلاحم شعبها وجيشها من إجهاض كلّ مشاريع التقسيم والتفتيت، وفشل مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد والذي كانت تمثل مصر فيه الجائزة الكبرى، لكن ومع فشل المشروع لم يتوقف العدو الأميركي من دعم جماعة الإخوان المجرمين الذين يدعون دائماً ومن وقت لآخر للخروج مرة أخرى للتظاهر في محاولة لاستعادة مشهد 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وفي كلّ مرة تفشل دعواتهم لإشاعة الفوضى من جديد، وخلال الأيام القليلة الماضية تمّت الدعوة للخروج يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 للتظاهر بحجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ الوضع الاقتصادي بالفعل خانق للغالبية العظمى من المصريين، لكن هذه الظروف الخانقة لا تعاني منها مصر وحدها، فالأوضاع الاقتصادية لغالبية دول المنطقة بما فيها الدول النفطية الغنية متدهورة، وهناك ارتفاع عالميّ في أسعار السلع الأساسية، فالحرب الروسية ـ الأوكرانية تركت آثارها وتداعياتها على الاقتصاديات العالمية، فهذه أوروبا تدخل موسم الشتاء ومواطنيها يعانون أشدّ المعاناة وخرجت التظاهرات في باريس قبل أيام مندّدة بالمشاركة في الحرب إلى جوار أوكرانيا في الوقت الذي تخنق فيه روسيا أوروبا كلها عن طريق حرمانها من النفط والغاز، وبالطبع دعاوى التظاهر في بلداننا منذ 2011 وحتى الآن لم نجنِ من ورائها إلا الخراب والدمار على أيدي هذه الجماعة المجرمة. وما تشهده ليبيا واليمن وسورية خير شاهد وخير دليل، لذلك لا بدّ من البحث عن طرق لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية بعيداً عن فوضى التظاهر التي تدعو إليه الكتائب الإلكترونية لجماعة الإخوان المجرمين، اللهم بلغت اللهم فاشهد.