الإطار الأميركي الناظم لثروات النفط والغاز بين لبنان و«إسرائيل»: مقارنة باتفاق 17 أيار 1983 واتفاق الهدنة عام 1949 قانونياً وسياسياً
ناصر قنديل
– عندما يجتمع الإسناد بوقائع غير صحيحة، مع إصرار على ترويج استنتاج معين، فهذا لا يدل إلا على نية خبيثة يعرف صاحبها صعوبة مخالفتها للوقائع وضعف الحجة في تسويقها. وهذا هو حال الذين يريدون عنوة اعتبار الإطار الأميركي الناظم لثروات النفط والغاز بين لبنان و«إسرائيل» شيئاً شبيهاً باتفاق 17 أيار 1983، الذي يجمع مؤيدوه ومعارضوه من اللبنانيين على اعتباره إعلاناً صريحاً بالاعتراف بكيان الاحتلال، واقامة سلام معه، وقراراً بالتطبيع بينه وبين لبنان، وقبول المساس بالسيادة اللبنانية في وجوه عديدة. وهؤلاء الذين يقيمون مقارنة مزورة بين اتفاق 17 أيار والإطار الأميركي الناظم للنفط والغاز يتهرّبون من أي مقارنة بين هذا الإطار واتفاق الهدنة عام 1949 الذي يحظى بإجماع لبناني على عدم اعتباره اعترافاً بـ «إسرائيل» أو إعلان سلام معها، أو قبول للتطبيع بين لبنان وبينها.
– يبدأ أصحاب النيات الخبيثة المؤيدة بالجهل او التجاهل أو التجهيل، بالقول إن لا قيمة للنصوص، ويزعمون أن ما تضمنه اتفاق 17 أيار من اعتراف وتطبيع وإعلان السلام وقبول المساس بالسيادة لم يأت بنصوص، بل هو حصيلة تلقائية للاتفاق. وهذا غلو في التضليل والكذب والتزوير، فاتفاق 17 أيار نص صراحة في مقدمته انه اتفاق بين حكومتي لبنان و«اسرائيل» وأنه يقوم على احترام متبادل لسيادة كل من الدولتين كما تقول المادة الأولى منه، وينهي حال الحرب بين الدولتين وفقاً للمادة الثانية، ويقيم لجان متابعة بين الحكومتين في مجالات عديدة سياسية وامنية واقتصادية، ويحظر على وسائل الإعلام اللبنانية نشر أي مادة معادية لـ «إسرائيل»، ويعلن حرية تبادل البضائع بين الدولتين. وهو بذلك يقول عن نفسه بالنص إنه اعتراف وإعلان سلام وتطبيع وانتقاص من السيادة، بينما الاطر الناظم للثروات، فهو ليس اتفاقاً بين لبنان و«اسرائيل» بل إطار أميركي لنتائج الوساطة وافقت عليه الحكومتان، وبنتيجته ليس هناك وثيقة لبنانية إسرائيلية، ولا توقيع يمثل الحكومتين في ختام النص كما هو الحال في اتفاق 17 أيار. والنص غير المباشر لا يتضمن أي إشارة الى مستقبل العلاقات وحال الحرب والترتيبات الأمنية والتبادل التجاري او الاقتصادي، بل ان الاطار يتضمن اشارات نافية لإمكانية تفسير الأطر بهذا الاتجاه، فهو يتشدد بخصوص الطفافات لتأكيد انه ليس حدوداً دولية وأن لكل من الطرفين توصيفاً قانونياً مختلفاً له، نافياً أي تأثير لهذا الخط على مستقبل الحدود البرية والنقاط القائمة على الشاطئ، كما يتشدّد في ما يخص ما ستحصل عليه «اسرائيل» من الشركة المشغلة لحقل قانا لتأكيد ان لا علاقة للبنان بذلك ولا تبعات على لبنان جراء ذلك ولا علاقات اقتصادية بين لبنان و«إسرائيل» بفعل ذلك.
– يتهرّب أصحاب النيات الخبيثة من عقد المقارنة الوحيدة التي يمكن أن يكون لها قيمة، وهي المقارنة بين الإطار الأميركي الناظم لثروات النفط والغاز مع اتفاق الهدنة الموقع عام 1949، لأن هذه المقارنة ستقول إنه بالمفهوم السيادي فإن الإطار الناظم يشكل موقفاً متقدماً عن اتفاق الهدنة، لأن اتفاق الهدنة رغم نصوصه الحذرة حول توصيف خط الهدنة أنه ليس بديلاً عن الحدود الدولية، واحتفاظ لبنان بتحفظاته، أسوة بخط الطفافات، ورغم نصوصه حول التمييز بين إنهاء حال الحرب ووقف الأعمال الحربية، ورغم تشدده في وضع ترتيبات متوازنة على طرفي الحدود، إلا أنه نص وثيقة مشتركة قالت مقدّمتها إنها بين حكومتي لبنان و«اسرائيل»، وهو ما لم يحدث في الإطار الناظم، ووقع في ذيل الوثيقة من قال انه يمثل حكومة لبنان مقابل من قال إنه يمثل حكومة «إسرائيل»، وهذا ما لم يحدث في الإطار الناظم، ونص على تشكيل لجنة تقنية عسكرية مشتركة مع الأمم المتحدة، وهو ما لم يحدث في الإطار الناظم، حيث استعيض عن هذه اللجنة لمراجعة أي إشكالات لاحقة بمراجعة الوسيط الذي اقترح الإطار الناظم. وهذا بالمعنى القانوني السيادي ابتعاد عن أي شبهة للتطبيع، رغم ما يقال عن أنه قبول بالمرجعية الاميركية غير المحايدة، فهو أقرب الى مفهوم دولة رعاية المصالح التي تتولى دبلوماسياً مصالح الدولة لدى أخرى قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها، بينما تشكيل اللجان نوع من تبادل التمثيل.
– اليوم يوقع لبنان رسالة قبول الإطار الناظم ويسلّمها للجانب الأميركي ويوقع رسالة اعتماد الاحداثيات ويسلمها للأمم المتحدة، ودون أن يكون في غرفة واحدة مع الوفد الاسرائيلي الذي سيفعل المثل، ودون احتفال، وصور تذكارية، وسيكون ثمة من يقرأ النص بإنصاف خارج نطاق التحريض والتزوير، وينصف الشجاعة اللبنانية في فرض سياق دبلوماسي يتجاوز بمفهوم السيادة ما عبر عنه اتفاق الهدنة عام 1949، لجهة معاملة «إسرائيل» كطاعون لا يمكن تحمل تبعات الاقتراب منه، ولعل في هذا ما يكفي لفهم موازين القوى التي أملت هذا الإطار وجعلت الأميركي يتبناه والإسرائيلي يقبل به. وربما هي المرة الأولى التي تكون فيها «إسرائيل» مجبرة على أن توقع اتفاق إذعان، كما قال ديفيد شنكر عن حق، ولعله انتقام التاريخ من اتفاق 17 أيار، الذي كان اتفاق إذعان وقعه لبنان، قبل أن تسقطه المقاومة، وتجبر مجلس النواب الذي أجاز توقيعه على حتمية إلغائه.