ملفات الإقليم في غرب آسيا… والتعنّت الأميركي في الملف النووي الإيراني
} ربا يوسف شاهين
منذ أن انبرت الولايات المتحدة الأميركية لتسيير العالم، وفق ترتيبات استراتيجية خاصة، تتشابه ومقطورة القطار، في البعد والاقتراب من المقدمة، وفي الحجم والمساحة، فلكلّ نصيبه وفق تبعيته، وإطاعة الأوامر السياسية وتنفيذها. وما بين ما قبل الثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وما بعدها، فرق كبير، من حيث العلاقات القائمة على الاشتراط بعدم ازدياد النفوذ الإقليمي في غرب آسيا، وفي مناطق محدّدة خاصة بلاد الشام، وهنا لا ننسى المناطق التي تحيط بإيران، وعلاقاتها الحدودية مع أفغانستان.
هي جدلية الحديث السياسي، منذ أن ترسخت ما يسمّى «دولة إسرائيل»، فكلّ الاهتمام والحراك السياسي على مستوى العالم مُنشئ للفكرة الصهيونية في الشرق الأوسط، لتغدو العلاقات ما بين ما يعتبر قوة كبرى في العالم <الولايات المتحدة الأميركية»، والقوى الصاعدة «الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، فهل للاسم الإسلامي لإيران سبب في التزمت في العدائية أم أنّ مسبّبات أُخرى هي الأساس؟
لا شك أنّ فرضية دول العالم وتقاطعاتها، تجعل من الوجود الحتمي لهذه الدول أساساً لبقائها، وتمركزها كبقعة جغرافية لا يمكن نسفها بقنبلة نووية، على سبيل المثال كما حاولت الولايات المتحدة الأميركية فعله سابقاً في اليابان، في «ناكازاكي» وقنبلة «هيروشيما»، التي لا تزال تداعياتها وحسب تقارير إعلامية باقية حتى الآن.
بناءً عليه تعتمد فرضية العلاقات الدولية بين القوي والضعيف، من منطلق القوة تفرض هيمنتها على الأضعف، ولا بدّ من الرضوخ لا الموافقة، ووفق السياسة الأميركية أو الغربية عموماً، شهدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تطوراً كبيراً في شتى المجالات، حالها كحال الكثير من الدول التي تعتمد العمل المجتمعي عبر اقتصادها، لتكون في مقدمة الدول القادرة على مجابهة الاختلافات في القوة، وهنا فإنّ التطور الاقتصادي وبالتالي النووي شكل قفزة كبيرة جعلت من التلسكوب الغربي يحدق النظر جيداً على هذه البقعة، التي ببرنامجها النووي قد يكون لها النفوذ الأكبر إقليمياً، في السيطرة على المحيط العربي، ولا نغفل الصفة المرتبطة بها، أيّ إيران كونها بلداً إسلامياً، ليزيد العداء المتأصّل عند بعض من الفكر الغربي، والدليل الاستعمار البريطاني والفرنسي، وتبعاته على فلسطين بعد صكّ الانتداب المشؤوم.
الملف النووي الإيراني يشكل حالة قلق كبير ليس للإدارة الأميركية، بل لما تسمّى «إسرائيل»، التي تعلم جيداً أنّ مشروعها التوسعي في منطقة الشرق الأوسط، والذي نادت به كونداليزا رايس «شرق أوسطي جديد»، سيكلفها تأخيراً في التنفيذ مع وجود قوة إقليمية كإيران، ولذلك لا بدّ من العمل على استقطاب الدول المعادية للنهج الإيراني والانقسامات الحاصلة حتى داخل المجتمع الإيراني، من ناحية المعارضين في الخارج أو الانقسامات في التعاطي مع الوجود الإيراني في العراق، وإمكانية استحواذها على العقلية الجمعية للسياسيين في الميل والانعطاف باتجاه القدرة الإيرانية على النهوض بالاقتصاد العراقي، وإعادة إنعاشه بعدما فككته ودمّرته الولايات المتحدة الأميركية منذ 2003،
وهناك الملف اللبناني ومسألة التوافق الكبير ما بين محور المقاومة والمساعدات التي تقدّمها إيران لحزب الله في لبنان، وتواجدها على الساحة السورية، واستخدام الأرض السورية والعراق لنقل المساعدات لمن هم العدو الأول لـ «إسرائيل».
ومن هنا تعتبر كلّ اجتماعات فيينا وما قبلها، وحتى وجود الجمهورية الإسلامية الإيرانية كدولة عضو في الاتفاق النووي، وباعتقادي لا يشكل لدى الولايات المتحدة و»إسرائيل» سوى نوع من المراقبة الرضائية، لتكون على مرمى المراقبة اليومية من قبل وكالة الطاقة الذرية.
وهنا السؤال الذي طرح ويطرح دائماً:
لماذا لا يتمّ التعامل مع «إسرائيل» دولياً وهي التي تمتلك أكبر مفاعل نووي في المنطقة العربية «ديمونا».
لـ «إسرائيل» محدّدات رئيسية تمنع أو تعرقل التقدم في المفاوضات النووية، ألا وهي القوة الإيرانية في المنطقة، وهذا ما يجعله من أحد أهمّ الأسباب المعرقلة للملف النووي، فالمراقب عن كثب، يجد أنّ العرقلة وإطالة الوقت في الإصلاحات والاتفاقات السياسية تصل حدّ عقود، كما هو الحال في الحلّ السياسي في سورية، ندرك جيداً أنّ عامل الوقت تستخدمه واشنطن و»إسرائيل» لتنفيذ صفقات على منحى آخر، قد يكون تراكمي عبر ضرب اقتصاد الدول، أو عرقلة تقدّمها، أو قد يكون عبر تدميرها نهائياً، كما حدث ويحدث في سورية والعراق واليمن ولبنان، وكلّ وفق درجة معينة من التصادمات السياسية والعسكرية، أو ترك الأمر للوكلاء للتنفيذ.
في النهاية الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدرك جيداً مع طول المدة، التي تتخذها واشنطن لتحاول استثمارها في مناطق أخرى، قد تكون على أرض غير أرض طهران، ولتجبرها، على القبول وإطاعة الولايات المتحدة في كف يد طهران عن تخصيب الأورانيوم، وعدم السماح لها بصنع قنبلة نووية قد تؤتي على «إسرائيل» في ليلة وضحاها، وفق دراسة علمية ممنهجة تكون الدراسة مبرمجة على أن لا تصيب تلك القنبلة النووية سوى المنطقة المحدّدة من «إسرائيل»!