دبوس
مثليّة
ليس هنالك أيّ تأصيل جيني لظاهرة المثليّة، حقيقة علمية تمّ إثباتها بلا مراء، لن ينجب رجل مثليّ إبناً مثليّاً، لأنّ هذه الصفة لا جينات لها، هل هي تراكمات نفسية بعينها تتّسم بطابع السلبية من نكوص وانسحاب وعدم قدرة على تحقيق الذات إيجابياً يترتّب عليه تغيّر كيفي؟ هل هي حالة ظرفية من الإعجاب بذات الجنس، ثم مراكمة لذلك الإعجاب يوماً بعد يوم يترتّب عليه ميل جنسي؟
قد يكون، ولكن الشيء المؤكد انّ من تبتعد به ذاته الى حيثية شاذة كهذه، قادر إن شاء أن ينتشل تلك الذات من المسارب الغير سوية التي أوقع نفسه فيها.
الفكر الغربي عموماً ليس من مريدي مقارعة الذات، بل هو يحث على التسليم بالذات كما هي، وبدون قتال، ثم انّ على المجتمع أن يقبل بهذه الذات كما هي وينسجم معها ولا يرفضها، وأكثر المغالين في هذا النمط من الفكر هم الوجوديون، في الشرق، حيث الدين والمحافظة ونبذ الشاذ فطرياً، يستحثّ على مقاتلة الذات، فالذات بالفطرة أمّارة بالسوء، ولا ينبغي الانبطاح والانصياع لها بلا مقاومة.
يحدّثنا التاريخ انّ نموذج الرجولة في السينما الأميركية روك هدسون لم يتجرّأ على الظهور على الملأ والاعتراف بمثليّته إلا بعد ان تمّ تشخيصه بمرض الإيدز، كان الاعتراف بذلك في ذلك الوقت أمراً شائناً، كاري غرانت وراندولف سكوت، اثنان من أكثر نجوم المرحلة الكلاسيكية رجولة وفحولة، كانت تربطهما علاقة جنسية شاذة، ولكنهما لم يفكّرا مجرد التفكير في الإفصاح عن ذلك علانية، فلقد كان شيء كهذا في ذلك الوقت أمراً مخزياً، حتى ريموند بير، بطل مسلسل بيري ماسون الشهير، والذي كان بصوته الغليظ وبنيته القوية لا يمكن ان يشي بشذوذه الجنسي.
عموماً تدرّجت بنا الأمور كما هي العادة في الغرب من الرفض ونكران الحالة إلى قبول الأمر والتعوّد عليه، بل وفي بعض الأحيان المفاخرة به، هكذا هو الحال دائماً، في الأربعينات كان المايوه قطعة واحدة تغطي الجسم كله حتى الركبة، ثم بدأت قطعة القماش بالتآكل، حتى أصبحت خيطاً رفيعاً لا يسمن ولا يغني من جوع، كان استعمال الـ F-word مشيناً قبل ثلاثة أو أربعة عقود، يستدعي كلّ أنواع الاستنكار والاستهجان، الآن، نصف الكلام المنطوق في الشوارع وفي النوادي وفي الأفلام وفي كلّ مكان هو الـ F-word، هكذا هو الغرب، ينهار جذبيّاً نحو المركز كما الثقب الأسود، الفرق، انهيار جذبي وئيد صامت غير مدوّ.
سميح التايه