فرص جديدة للتنمية الصينية العربية المشتركة تتيحها مبادرة التنمية العالمية
} فهيمة تشن يويه يانغ
التنمية هي السعي الأبدي للمجتمع البشري. ففي الوقت الحاضر، يتمّ التطنين بكثافة لوباء القرن والتغيّرات المئوية، والانتعاش الاقتصادي العالمي غير المتوازن، وقد انخفض مؤشر التنمية البشرية لأول مرة منذ 30 عاماً. وفقاً لتقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2021 الذي أصدرته الأمم المتحدة. فقد عاد ما يقرب من 119 مليون نسمة إلى 124 مليون نسمة إلى معايير الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم خلال عام 2020. وعند مفترق الطرق الذي تقف أمامه قضية التنمية الدولية في ما يخص البتّ في قضاياها الرئيسية، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ رسمياً «مبادرة التنمية العالمية»، داعياً المجتمع الدولي إلى تسريع خطى تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، ودفع تحقيق التنمية العالمية التي تتميّز بكونها قوية وخضراء وسليمة أكثر من ذي قبل، وبناء المصير المشترك للتنمية العالمية. وإنّ هذه المبادرة ذو أهمية خاصة لتعزيز التنمية الصينية العربية المشتركة وبناء مصير مشترك بين الصين والدول العربية في العصر الحديث.
أولاً، تسعي مبادرة التنمية العالمية إلى تعزيز عودة قضايا التنمية إلى المكانة المحورية بجدول الأعمال الدولي. في السنوات الأخيرة، فإنّ التلاقي بين الدول المتقدّمة والدول النامية الكبرى بشأن قضايا التنمية واجه تقلصاً ملحوظاً ومن ثَمَّ حالة تمزق شديدة، كما تمّ تسييس قضايا التنمية وتهميشها بمرور الوقت، بالإضافة إلى العقوبات التعسّفية والانقسامات والمواجهات المصطنعة، كما أصبحت النزاعات الإقليمية والحروب متكرّرة، مما يجعل من الصعب على البلدان النامية التركيز على البناء والتنمية. وفي الوقت الحاضر، فإنّ الصين والدول العربية تتحمّل جنباً إلى جنب مسؤولية الإصلاح والتنمية الثقيلة، وتكثف الصين جهودها لبناء نمط تنموي جديد، وأصبحت الدول العربية أكثر استقلالية في خياراتها بصدد الشؤون الدولية، وتهيّئ بفاعلية بيئة داخلية وخارجية مستقرة للتنمية الوطنية.
إنّ كيفية تحمُّل الضغوط والحفاظ على إنجازات التنمية التي تحققت رغم التحديات هو سؤال يجب على كلا الجانبين الصين والدول العربية التفكير فيه بعقلانية. في عام 2016، عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ مقر جامعة الدول العربية، أشار إلى أنّ «السبب الجذري لاضطرابات الشرق الأوسط هو التنمية، والمخرج الوحيد ونهاية المطاف أيضاً هو التنمية». تهدف مبادرة التنمية العالمية إلى إعادة تعزيز عودة قضايا التنمية إلى محور جدول أعمال التعاون الدولي وتدعم بشكل كامل التنفيذ السريع لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 وذلك بدلاً من التركيز على الصراعات الأيديولوجية.
هذا وتتشابه المفاهيم التنموية لدى الصين والدول العربية، ويكمل كلّ منهما المزايا التنموية للآخر، ولدى الجانبين رؤية عميقة بصدد المجالات التنموية المشتركة. يعمل الجانبان بفاعلية لتعزيز المواءمة بين مفاهيم التنمية ودفع الارتقاء بجودة ومستوى التعاون الفعلي بين الجانبين. وحتى الآن قد وقعت الصين وثيقة التعاون بشأن التشارك في التمهيد لبناء مبادرة «الحزام والطريق» مع ما يقرب من 20 دولة بالإضافة إلى دول جامعة الدول العربية. وإنّ الصين ولبنان شريكان طبيعيان في البناء المشترك لـ «الحزام والطريق» وتمّ تحقيق نتائج مثمرة في التعاون الفعلي بين الجانبين. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ خطط التنمية لدول المنطقة تستمرّ بلا إنقطاع في الاندماج مع جهود التمهيد لبناء مبادرة «الحزام والطريق» بفاعلية مماثلة، ويحقق التعاون المشترك بين الصين ودول المنطقة مزيداً من النتائج المثمرة.
ثانياً، تهتمّ مبادرة التنمية العالمية بتعزيز بناء القدرات التنموية المستقلة للبلدان النامية. وتهدف مبادرة التنمية العالمية إلى تعزيز رفاهية الشعوب وتحقيق التنمية البشرية الشاملة كنقطة انطلاق وهدف لها، والإصرار على إعلاء حقّ البقاء والحقّ في التنمية ليصبحا من ضمن حقوق الإنسان الأساسية، جنباً إلى جنب مع احترام مسار التنمية الذي تختاره كلّ دولة لها بشكل مستقلّ، والاهتمام البالغ بمعالجة المشاكل التنموية للبلدان النامية بفعالية، والسعي لحلّ مشاكل التنمية غير المتوازنة وغير الكافية بين البلدان بعضها البعض وداخل كلّ دولة على حدى. وقد أسّس مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية الذي أعمل فيه بمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ. وهو يهدف إلى تأسيس منصة للصين والدول العربية لتبادل خبرات الجانبين على صعيد الإصلاح والتنمية وحوكمة الدولة، كما يهدف إلى بناء جسر من خلال التعلم المتبادل بين الجانبين لتعزيز الإدراك الإيجابي بين الصين والدول العربية وتبادل الحضارات.
منذ إنشاء المركز قبل خمس سنوات، حقق المركز نتائج مثمرة في بناء أربع منصات رئيسية، بما في ذلك الدورات الدراسية وإعداد الكفاءات وأبحاث بنوك المعلومات وتبادل العلوم الإنسانية. في شهر يونيو/ حزيران من العام الحالي، تمّ عقد حوار رفيع المستوى بصدد التنمية العالمية، وصرَّح الرئيس شي جين بينغ أنّ الصين «ستوفر 100 ألف فرصة للبحوث والتدريب للدول النامية»، وهي فرصة سانحة أمام الصين والدول العربية لتبادل الخبرات في مجال الحكم والإدارة والتعاون في مجال تطوير الموارد البشرية. أقام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية 12 دورة بحثية حيث شارك فيها 316 من كبار المسؤولين بالدول العربية، ومن بينهم يقرب من 10 من كبار المسؤولين اللبنانيين من مكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية والمغتربين ووزارة الكهرباء والمياه. تهدف هذه الدورات إلى النظر بشكل كامل في موارد الجانب العربي، والتعرّف على مستوى تنميتها ومتطلبات تنميتها، ومشاركة خبرات التنمية وتقنيات المجالات الصناعية مع الدول العربية بطرق مختلفة، وبذل قصارى الجهد لتطوير المواهب المحلية والقوى التكنولوجية، ومساعدة الدول العربية لاستكشاف إمكانياتها وقدراتها الكامنة الخاصة بها، لتحقيق تنمية مستدامة مستقلة ومتعدّدة المستويات. بالإضافة إلى ذلك، تمّ الإعلان عن لائحة النتائج التي تمّ إصدارها بعد الحوار رفيع المستوى الذي عُقد بشأن التنمية للإعلان عن عدد من الإجراءات التي ستُتخذ بهذا الصدد، والتي تتضمّن زيادة الاستثمار الموجه لصندوق السلام والتنمية بين الصين والأمم المتحدة، كما نُشر «تقرير التنمية العالمية»، وإنشاء مركز تعزيز التنمية العالمية إلى آخره من الإجراءات، وستساهم هذه الإجراءات جميعاً في تعزيز القوة الصينية في بناء المصير المشترك للصين والدول العربية.
ثالثاً، دفع مبادرة التنمية العالمية بفاعلية لعجلة الابتكار والتنمية الخضراء. ستصبح الثورة التكنولوجية الجديدة والتحوّل الصناعي قوة مهمة في إعادة تشكيل النظام الدولي. وفي الوقت نفسه، ستؤثر تأثيراً واضحاً على مشاكل التوظيف وتوزيع الدخل. ولذلك لن نستطيع أن نستكشف بشكل أفضل القوة الدافعة الجديدة للنمو الاقتصادي بعد الوباء ونعمل معاً لتحقيق قفزات في التنمية، إلا من خلال تسريع تحوّل الإنجازات العلمية والتكنولوجية إلى قوى إنتاجية حقيقية وخلق بيئة تطوير تكنولوجية تتميّز بالانفتاح والمساواة والعدالة والقضاء على العنصرية. في الوقت الحاضر، أعلنت العديد من الدول العربية استراتيجيات رقمية وسياسات متعلقة، معتبرة تطوير الاقتصاد الرقمي كنقطة انطلاق مهمة لتسريع التنويع الاقتصادي والتحوّل الصناعي والارتقاء به. تتمتع الصين بقدرة رائدة في مجال التكنولوجيا الرقمية ولديها قاعدة قوية للتعاون الرقمي مع الدول العربية. ومن الأمور التي تدعو للتفاؤل، أنّ التعاون الصيني العربي في مجالات الاقتصاد الرقمي والجيل الخامس لشبكات الاتصال والأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وغيرها من المجالات قد أحرز تقدّماً إيجابياً منقطع النظير. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ النظام البيئي الجيد يُعدّ هو المنتج الشعبي الأساسي ورفاهية الشعب الأكثر شمولاً. تدعو المبادرة إلى اتخاذ اللون الأخضر كلون لخلفية أوضاع التعافي بعد الوباء وتحسين قدرات الحوكمة البيئية والسير المشترك في مسار التنمية المستدامة الخضراء منخفضة الكربون. وهناك توافق كبير بين الصين والدول العربية بصدد مفاهيم التنمية الخضراء. حيث طرحت الصين هدف الوصول إلى ذروة الكربون الذي لن تزيد نسبته عنها وبعدها سيبدأ في الانخفاض بحلول عام 2030، ثم ستحقق تحييد الكربون وخفض انبعاثاته إلى أقصى حدّ بحلول عام 2060.
وتواجه الدول العربية بشكل عام الحاجة الملحة لتحسين هيكل استهلاك الطاقة باعتبارها أكبر منطقة في العالم لإنتاج وتصدير الطاقة الأحفورية، وتعزيز تنمية التحوّل الأخضر، وتحقيق التنمية المتنوعة إلى آخره من التحديات الملحة. لقد أصبح التعاون في مجال الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة مجالاً هاماً وإبرازاً جديداً للتنمية والتعاون الأخضر بين الصين والدول العربية، كما يُعد إسهاماً كبيراً في تحقيق هدف خفض انبعاث العوادم الملوثة العالمية.
فبفضل التأسيس المشترك لمبادرة «الحزام والطريق» بين الصين والدول العربية، فُتحت صفحة جديدة على صعيد التعاون الصيني العربي.
إنّ مبادرة التنمية العالمية هي مبادرة أُعلن انبثاقها بعد مبادرة «الحزام والطريق»، وهي مبادرة رئيسية أخرى يطرحها الرئيس شي جين بينغ، وهي ارتقاء بالتعاون الإنمائي العالمي وهي تُقدّم «المحفِّزَ» لدفع تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. وأعربت عدة دول عربية من بينها جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الجزائرية والإمارات العربية المتحدة والجمهورية القطرية والمملكة المغربية عن دعمها لهذه المبادرة، كما تضمّ «مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية» أكثر من 60 عضواً. بتوجيه من مبادرة «الحزام والطريق» ومبادرة التنمية العالمية، أظهر التعاون الصيني العربي إمكانات كامنة كبيرة وصلابة منقطعة النظير. في السنوات الأخيرة، احتلت الصين مكانة الشريك التجاري الأكبر للدول العربية. في العام الماضي، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية قرابة 330 مليار دولاراً أميركياً، محققة زيادة قدرها 37٪ مقارنة بالعام السابق؛ واستوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية، وهو ما يمثل 51.6٪ من إجمالي واردات الصين العالمية تلك السنة. كما أنّ الوباء لم يوقف وتيرة التعاون الفعلي بين الجانبين، والذي لم يحقق فوائداً ملموسة للشعبين الصيني والعربي فقط، بل ساهم أيضاً في انتعاش الاقتصاد العالمي. فقبل أيام قليلة، في الدورة الثالثة من المنتدى الصيني العربي للإصلاح والتنمية التي استضافتها وزارة الخارجية الصينية ومركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، وقد أعرب الخبراء المشاركون عن رغبتهم في تنفيذ المبادرة التي ستساعد الدول العربية على تحقيق جزءاً كبيراً من برامج وأهداف خطتها للتنمية المستدامة. كما رحبت الصين أشدّ الترحيب بانضمام لبنان إلى المبادرة، مما يبلور المزيد من القوة التنموية بين الصين والدول العربية.
وحالياً، تستعدّ الصين والدول العربية بنشاط وجدية للتجهيز للقمة الصينية ـ العربية الأولى، وعليه فيتوجب على الجانبين الاستمرار في الالتزام بمفاهيم التعاون وتجميع القوى التنموية والاستجابة بفعالية للأوضاع الجديدة والفرص الجديدة والتحديات الجديدة، والبناء المشترك الفعّال لمبادرة «الحزام والطريق» وتنفيذ مبادرة التنمية العالمية ليصبحا المحركَّين الرئيسين اللذين يرتكز عليهما التعزيز المستمرّ للتنمية المشتركة للصين والدول العربية للوصول إلى آفاق جديدة، والسماح بمزيد من الإنجازات التنموية لإفادة شعوب الجانبين، والمساهمة بشكل إيجابي في تفعيل مبادرة المصير المشترك للتنمية العالمية.