«إسرائيل» توقّع شهادة هزيمتها أمام لبنان الصمود والمقاومة الفصل الأخير من الترسيم الشّاق: واشنطن والأمم المتحدة تتسلّمان وثائق تفاهم الترسيم البحري في الناقورة
سجّل لبنان أمس، بفضل صموده ومقاومته السياسيّة والدبلوماسيّة، المعزّزة بثلاثيته الماسيّة، شعب وجيش ومُقاومة، انتصاراً مدويّاً جديداً، على الصلف الصهيوني وأطماعه في ثرواته البحريّة من نفط وغاز، بعد إجباره على الرضوخ وتوقيع شهادة هزيمته أمام التصلّب اللبناني وتمسّكه بالثروة المذكورة من دون نقصان، بالرغم من كل المناورات التهويليّة التي لجأ إليها العدو «الإسرائيلي» الغاصب في فلسطين المحتلّة، سياسيّاً وعسكريّاً للسطو على الحقّ اللبناني.
فقد انتهى أمس، المسلسل الشّاق الطويل لترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة بين لبنان وسلطات الاحتلال «الإسرائيلي» بتسليم وفدي الجانبين، كلّ على حدة، الولايات المتّحدة الأميركية والأمم المتّحدة، وثيقتي التفاهم المتعلقتين بالترسيم، في غرفة في مقرّ قوات «يونيفيل» في الناقورة.
وقد سلّم الوثيقة التي كان وقعها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، إلى الوسيط الأميركي في مفاوضات الترسيم عاموس هوكشتاين والممثّلة الدائمة للأمم المتّحدة في لبنان جوانا فرونتسكا، وفدٌ مؤلّف من المدير العام لرئاسة الجمهوريّة أنطوان شقير، مفوض الحكومة لدى «يونيفيل» العميد الركن منير شحادة، عضو مجلس إدارة هيئة النفط وسام شباط ورئيس مركز الاستشارات القانونيّة أحمد عرفة. وذلك بحضور السفيرتين الأميركيّة والفرنسيّة في لبنان دوروثي شيا وآن غريو.
وتزامنت عملية التسليم مع تدابير أمنيّة مشدّدة اتّخذها الجيش اللبناني وقوات «يونيفيل». وشوهدت في البحر قبالة العلامات البحريّة لجهة الطفّافات من الجانب اللبناني، دوريات بحريّة لزوارق الجيش اللبناني وقطع بحريّة في عرض البحر لـ»يونيفيل»، ومن الجانب الآخر للطفّافات زوارق حربيّة «إسرائيليّة» كانت خرقت العلامات البحريّة، الأمر الذي أدّى إلى تأخير تسليم الوثيقة ساعةً عن الموعد المُحدّد للوسيط الأميركي وممثلة الأمم المتّحدة، اعتراضاً على الخرق البحري «الإسرائيلي»، ما استوجب تدخّل القوات الدوليّة التي عالجت الموضوع وانسحبت الزوارق «الإسرائيليّة» إلى ما بعد الطفّافات والعلامات البحريّة للحدود البحريّة إلى داخل المياه الفلسطينية.
وأثار تسليم الوثائق ردود فعل مرحّبة، واعتبرته فرونتسكا «إنجازاً تاريخيّاً على مستويات عدّة». وستقوم فرونتسكا بإيداع وثائق الترسيم لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
بدوره، رحّب الوزير السابق وديع الخازن، في بيان اليوم، بإعلان نصّ الاتفاق النهائي لترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة، ورأى فيه» إنجازاً تاريخيّاً، وخطوة رائدة تُدخل لبنان في فلك الدول النفطيّة في العالم، مع ما يعكسه ذلك من بشائر اقتصاديّة، تُخرج كل قطاعاته ومفاصل الحياة فيه، من الحالة المرضيّة والانهيارات والإفلاس».
وقدّر «جهود رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الأعمال، وكلّ من شارك من المسؤولين اللبنانيين وأصدقاء لبنان في المفاوضات غير المباشرة المضنية التي أثمرت انتصاراً دبلوماسياً مدويّاً، وأعادت الجمهوريّة اللبنانيّة إلى موقعها الطبيعي داخل الأُسرة الدوليّة».
وتمنّى الخازن أن «يسود التوافق والتعاون ووحدة الموقف في علاقات جميع الأفرقاء اللبنانيين بعضاً ببعض، وأن تُطوى، إلى غير رجعة، صفحة المناكفات والانقسامات والشرذمة، وأن يستعيد الشعب اللبناني استقراره، وثقته بدولته ونظامه ومستقبله».
ورأى الأمين العام لـ»التيّار الأسعدي» المحامي «أن هناك بنوداً سرّية في هذا الاتفاق لم يُعلن عنها، وتمّ الحصول عليها من الأميركي من تحت الطاولة، ومنها فكّ الحصار عن لبنان ورفع العقوبات الاقتصاديّة عنه، وعن عدد من الشخصيّات التي فُرضت عليها العقوبات، كما السماح باستجرار الكهرباء والغاز من مصر والأردن، ورفع القيود عن الفيول العراقي والإيراني وما سيتبع ذلك من إدارة للنفوذ الاقتصادي والسياسي بين المحاور المتخاصمة، خارجيّاً، وبالتالي التحضير لنظام سياسي جديد للبنان يؤمّن له ضمان دخول المنظومة الاقتصاديّة العالميّة».
واعتبر «تجمّع العلماء المسلمين» أنّ الاتفاق «ما كان ليتمّ لولا التهديد الذي أطلقته المقاومة»، داعياً إلى «الحفاظ على هذه المقاومة باعتبارها الضامن الوحيد للسيّادة الوطنيّة والاستقلال والحفاظ على الثروات وضمان المكتسبات».
واعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، أنّ ترسيم الحدود اللبنانيّة البحريّة جنوباً «يعني تحوّلاً تاريخياَ لصالح لبنان وكسر إستراتيجي للهيمنة الإسرائيليّة وضربة قويّة للحصار الأميركي وفرصة هائلة للإنقاذ الذاتي اللبناني، والسبب فيه قرار وطني شُجاع ومقاومة قويّة بحجم ميزان المنطقة».