لبنان يدخل أقسى مراحل المواجهات السياسيّة خلال الشغور والكرة في مجلس النواب
عون من بعبدا إلى «ثورة» الرابية بدءاً بتوقيع مرسوم استقالة الحكومة
ميقاتي يردّ: مستمرّ بتصريف الأعمال وفق الدستور
ظهر أمس، شغل الفراغ القصر الجمهوري في بعبدا، بمغادر رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون القصر وانتقالة إلى مكان إقامته في الرابية، ليقود من هناك «ثورةً» وذلك قبل يوم من انتهاء ولايته الرئاسيّة التي يُسدل الستار عليها منتصف هذه الليلة، لتبدأ مرحلة بدت من ملاحها الأوّليّة، أنها ستكون الأقسى، منذ بدء الفوضى المتعدّدة الأوجه التي عاش لبنان واللبنانيون تحت وطأتها، وتخلّلتها معارك سياسيّة واقتصاديّة شرسة، في تشرين الأول عام 2019.
وأول الغيث، توقيع عون مرسوم اعتبار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مُستقيلة، ونقل الكرة إلى مجلس النواب من خلال رسالة وجّهها إليه بواسطة رئيسه نبيه برّي، دعاه فيها إلى عقد جلسة والمُبادرة إلى نزع التكليف عن ميقاتي لتأليف حكومة جديدة «في ما هو من أعطاه إيّاه، كي يُصار فوراً إلى تكليف سواه وإصدار مراسيم التشكيل فور ذلك تجنّباً للفراغ».
وبعد تسلّمه مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، سارع ميقاتي إلى إرسال كتاب إلى برّي يُبلغه فيه، أن «الحكومة ستُتابع القيام بواجباتها الدستوريّة كافة، ومن بينها تصريف الأعمال وفق نصوص الدستور والأنظمة التي ترعى عملها وكيفيّة اتخاذ قراراتها والمنصوص عنها في الدستور، وفي المرسوم رقم 2552 تاريخ 1/8/1992 وتعديلاته (تنظيم أعمال مجلس الوزراء) ما لم يكن لمجلس النواب رأي مُخالف.
وقبل هذه التطورات، أكد المعاون السياسي للرئيس برّي النائب علي حسن خليل، أن «هناك حاجة لأن تتحمّل الحكومة القائمة مسؤوليتها في إدارة البلد، وهي تستطيع بواقع الدستور والأعراف وكل التجارب التي مرّ بها الوطن، أن تتحمّل مسؤوليتها كاملة في ما يتعلّق بإدارة شؤون الناس وقضاياهم، طبعاً من دون المعايير التي لا تشعر أي فئة في هذا الوطن بأن أدوارها أو مواقعها مهمّشة في القرار السياسي».
وأضاف “عندما نتحدّث عن تحمّل حكومة التصريف أعمال أو حكومة قائمة لإدارة مرحلة الشغور، لا يعني على الإطلاق أن نتجاهل أو نتجاوز تحت أيّ اعتبار العمل الجادّ من أجل الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة”.
مغادرة عون بعبدا
وكان عون غادر قصر بعبدا وسط حشود شعبيّة تجمّعت في القصر وأطلقت الأغاني والأناشيد الوطنيّة المؤيذدة لعون ومواقفه.
وعند الساعة الثانية عشرة والربع من ظهر أمس، دعا المدير العام للمراسم في رئاسة الجمهوريّة الدكتور نبيل شديد إلى بدء مراسم الوداع الرسميّة، فخرج عون من مكتبه في القصر الجمهوري يُرافقه قائد لواء الحرس الجمهوري العميد بسام الحلو، واتجه بين صفين من الرمّاحة الذين اصطفوا في داخل بهو القصر إلى الساحة الخارجيّة حيث صافح المدير العام لرئاسة الجمهوريّة الدكتور أنطوان شقير، والمدراء العامين والمستشارين والضباط المرافقين، ووقف موظفو المديريّة العامّة لرئاسة الجمهوريّة لوداع الرئيس الذي قام بتحيتهم وسط تصفيق الحاضرين وهتاف المواطنين. وفيما عزفت موسيقى الجيش النشيد الوطني، استعرض عون كتيبة من لواء الحرس الجمهوري، وصولاً إلى المدخل الرئيسي للقصر حيث احتشد المواطنون يتقدمهم رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، وعدد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، إضافةً إلى مسؤولين في “التيّار” وكبار موظفي رئاسة الجمهوريّة، واعتلى عون المنصّة وألقى كلمة، خاطب فيها الحشود قائلاً “أنتم معي وأنا معكم، اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى تحتاج لنضال وللكثير من العمل لكي نخرج من أزماتنا”، مضيفاً “اليوم نهاية مهمّة ليس نهاية عهد واليوم ليس وداعاً اليوم بداية عهد جديد من الحجر إلى البشر، اليوم أترك خلفي وطناً مسروقاً وهذا عمل يحتاج إلى مواقف وجهود لنقتلع الفساد من جذوره”.
وتابع “البلد مسروق وعلينا أن نقوم بالكثير من العمل والكثير من الجهد لكي نقتلع الفساد من جذوره و مؤسّسات الدولة مهترئة لأنّ القيّمين عليها خائفون من عصاً تهدّدهم”، مشيراً إلى أن “دولتنا باتت مهترئة وكل مؤسّساتها لم يعد لها قيمة لأن المنظومة الحاكمة استعملتها خصوصاً القضاء الذي لم يعد يحكم لصالح الناس”.
وأردف “قمنا بتدقيق مالي ولكن لم يتمّ بته في القضاء، والتحقيق الجنائي كشف كل السرقات وأعدّ الاتهام وأرسله إلى المحكمة ولم يُحاكم أحد”، متسائلاً “ماذا نفعل إذا كان كلّ النهب قام به حاكم المصرف المركزي؟ من يحميه؟ من هو شريكه؟”.
وتوجه إلى الحشود القول “كلّكم رجال مقاومة بعضكم كان معي في المعركة الأولى، واليوم مستمرّون وأنتم معي في الصعاب وفي الفرح وفي الحزن وأنتم معي وأنا معكم اليوم نهاية مرحلة ولكن هناك مرحلة ثانية”.
وشدّد على أنه “بالرغم من كل التجاوزات الماليّة والانهيار الاقتصادي لم نتمكّن من إيصال حاكم مصرف لبنان إلى القضاء لأنّ المنظومة الحاكمة منذ 32 سنة تحميه”، مشيراً إلى أن القضاء لا يقوم بدوره ولا يزال المرتكبون خارج المحاكم ولربّما لأنّهم من التابعين للقيّمين على الحُكم”.
وقال “عملنا على ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة لأنّنا نعلم أنّه لا يُمكن للبنان أن يقوم من أزمته إلاّ من خلال استخراج النفط والغاز، وسيسمح لنا استخراج الثروة الوطنيّة من إعطاء الرأسمال الكافي لانقاذ لبنان من الوضع الحالي”، مؤكداً أن “ليس من المُمكن ولا بأيّ شكل أن نهدأ، قبل انتشال الوطن من الحفرة العميقة التي وضعوه بها”.
واشار إلى “أن رئيس مجلس القضاء الأعلى لا يُريد تعيين قاضٍ لينظر بملف انفجار المرفأ، ولا يُريد أن يوصل الأبرياء أو المشتبه فيهم في السجون إلى العدالة”. وأضاف “قاموا بمحاربتنا طوال هذه الفترة لأنّنا عملنا على الإصلاح ولأنّ الإصلاح يُضرّ بهم وبمصالحهم، عرقلوا إقرار القوانين التي تحافظ على حقوق اللبنانيين. لم يمرّ قانون الكابيتال كونترول لأنهم يريدون الاستمرار في تهريب الأموال إلى الخارج”.
وتوجه مخاطباً الجمهور المشارك في وداعه بالقول “أنتم من سيُحافظ على الثورة والسيادة وسنلتقي معكم”.
ثم أنهى خطابه بتحية الجماهير، وسلّم شُعلةً إلى إحدى الشابات في رمزيّة لتسليمها للأجيال القادمة.
وبعد أن حيّا حشود المواطنين، غادر عون في الموكب الرئاسي قصر بعبدا، مخترقاً صفوف المواطنين الذين احتشدوا لتحيّته على طول طريق القصر الجمهوري وعلى الطريق المؤدّية إلى الرابية.
ولدى وصول الموكب الرئيس إلى مُفترق منزله في الرابية، توقف لتحيّة الجماهير التي انتظرته وهتفت بحياته وبالشعارات المؤيّدة لمواقفه، كما كانت محطة عُزفت فيها الأناشيد الوطنيّة وأُقيمت الرقصات الفولكلوريّة و”الزفّة” احتفاءً به.
بعدها تابع الموكب سيره ووصل إلى منزل الرئيس عون في الرابية، حيث استقبلته عقيلته ناديا الشامي عون وكريماته وأفراد العائلة.
إلى ذلك، غرّد الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان عبر «تويتر»، قائلاً «فخامة المواطن ميشال عون، تحمّلت الكثير في السنوات الست الماضية، لكن بالتأكيد سيُنصفك التاريخ، جنرالاً حمل الوطن على أكتافه حتى النهاية».
بدوره، اعتبر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، خلال احتفال تأبيني في بعلبك، أن للرئيس عون «الكثير من الإنجازات في البلد، فقد استطاع أن يمنع يد الأجنبي من التحكّم بلبنان، وساهم في نصرة المقاومة ضد العدوّ الإسرائيلي، وفي تحقيق الانتصار في معركة فجر الجرود ضد التكفيريين، وعمل على إنجاز قانون الانتخابات لاختيار الشعب لممثّليه، وفي عهده، وبفضل وحدة الموقف الرسمي والتعاون بين الجيش والشعب والمقاومة، تمّ التوصّل إلى إنجاز ترسيم الحدود البحريّة».