قمة الجزائر واستعادة سورية..
} د. جمال زهران*
يوما الثلاثاء والأربعاء، 1 و 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، ينعقد مؤتمر القمة العربية الحادي والثلاثين في عاصمة المقاومة العربية الأولى، وهي مدينة الجزائر، بعد تجميد ثلاث سنوات، ترأست الجزائر هذه الدورة، ورفضت الدعوة لاجتماع القمة، إلا بحضور ومشاركة سورية، تحت شعار: «لا قمة بدون سورية». وكلّ الأنظار في وطننا العربي، تتجه إلى العاصمة الجزائرية، لمتابعة القمة وما يتمخض عنها من قرارات، وسط مقاطعة من بعض الحكام العرب، في مقدّمتهم ولي العهد السعودي! وهناك مدرستان، في متابعة القمة العربية، الأولى: أنّ ما سيتمخض عن القمة هو إعادة إنتاج الماضي ولا جديد يُذكر، خاصة أنّ العالم منشغل بقضايا أخرى أهمّ، وأنّ العرب غير قادرين على صنع موقف، يمكن أن يلفت الأنظار! وفي المقابل مدرسة ثانية: تشير إلى أنّ هناك آمالاً معقودة على هذا المؤتمر بعد غياب لفترة، ووسط تحديات عالمية وإقليمية، تستدعي الاهتمام وإصدار قرارات جيدة.
ولعلّ ما يشير إليه ما يحيط بالمؤتمر، قد يجعل للمدرسة الثانية قبولاً نسبياً، ومع التحفظ، حيث أنّ شعار المؤتمر هو: «لمّ الشمل العربي».
وعلى هذا الأساس، وقد سبق أن كتبت ذلك، بأنّ قمة عربية وفي الجزائر، بلا سورية، هي قمّة «بلا طعم»، أيّ أنّ صوت المقاومة العربية الحقيقية سيكون غائباً، ويتعارض مع فكرة «جمع الشمل»، واستعادة وحدة المواقف، بعد وحدة الصف ولمّ الشمل.
وقد بذلت الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، ومنذ تولت رئاسة هذه الدورة، على بذل الجهود من أجل تقريب المسافات، ووجهات النظر، في ما بين الأطراف العربية المختلفة، خاصة بعد أن أعادت بعض دول الخليج لعلاقاتها الدبلوماسية مع سورية، ومن أهمّها (الإمارات والبحرين)، وفي الطريق دولة الكويت، فضلاً عن دولة عُمان. كما أنّ الإمارات وافقت على زيارة الرئيس بشار الأسد، إلى الإمارات، وحدث ذلك فعلاً، واعتبرت الزيارة الزلزال في المنطقة، الأمر الذي يشير إلى القبول الخليجي عبر البوابة الإماراتية، لدمشق ونظام الرئيس بشار الأسد، ومن المؤكد أنّ هناك ضغوطاً أميركية في المقابل لعدم تطوير العلاقات مع نظام الرئيس الأسد، مع استمرار الحصار، وقوانينه الجائرة التي استهدفت الشعب السوري، إلا أنّ الأمور تسير على عكس الإرادة الأميركية وضغوطها!
وقد مارست أطراف عربية أخرى ضغوطاً، للحيلولة دون عودة سورية إلى الجامعة العربية، خاصة السعودية ودول أخرى، إلا أنّ سيل القبول لسورية ونظام الرئيس الأسد، هو الحاصل على القبول بالتدفق.
وقد حدث أنني كنت مدعواً للجزائر، للمشاركة في مؤتمر دولي كبير، في مدينة وهران (العاصمة الثانية)، احتفاءً بالعام الستين للاستقلال والتحرير (1962 – 2022)، وللمرة الثانية، والتقيت بالزملاء الجزائريين وعدد من المسؤولين في مقدمتهم وزير المجاهدين والحقوق (السيد ربيقة العيد)، وكذلك والي (محافظ) مدينة وهران (السيد السعيد سعيود)، وأساتذة جزائريين وأساتذة عرب، واستشعرت من واقع المناقشات أنه من الواجب عودة سورية إلى الجامعة واستعادة دورها المقاوم، للإسهام في استحضار وإحياء الدور النشيط لسورية محور المقاومة.
كما أنّ الجزائر العاصمة، تستعدّ بحفاوة شديدة في جميع شوارعها، وفي مكان انعقاد المؤتمر، بالأعلام، والمجسّمات العربية، لاستقبال الرؤساء والملوك العرب، ولاحظت احتفاء الإعلام (صحافة/ إذاعة/ تلفزيون/ مواقع إلكترونية)، بالربط بين مؤتمر التحرير والاستقلال ومؤتمر القمة العربية، وأجروا معي أحاديث عديدة بلا حصر، تؤكد هذا الترابط.
فالقمة العربية ستنعقد في مدينة (زردة) غرب العاصمة الجزائرية، وإقامة الرؤساء والملوك في فندق الشيراتون، ومحيط هذا الفندق، ونظمت الدولة الجزائرية، ساحة أمام الجامعة الجزائرية، تمّ تصميها لتضمّ مجسّمات للدول العربية جميعها، وفي المقدمة مصر، بمجسّم واضح (الأهرامات الثلاثة)، والأعلام منتشرة في كلّ الشوارع لجميع الدول العربية، وعلمت أنّ هناك أغلبية من الرؤساء والملوك سوف يحضرون المؤتمر، بما يؤكد الاهتمام العربي بهذه القمة.
وأخيراً، فإنّ تحديد موعد المؤتمر بيومي (1 ، 2) نوفمبر، وهو ذات التاريخ الذي يناسب موعد تفجّر واندلاع الثورة الجزائرية في عام 1954، ويمرّ عليها (68) سنة، بما تمخض عنها التحرير والاستقلال، لهو فأل، قد يكون حسناً، بهذا التلازم والترابط، وكلنا أمل في أن تعود سورية بقرار حاسم للجامعة، وتفعيل العمل العربي المشترك، والاتفاق على استراتيجية عربية لأهمّ قضيتين في العالم (الأمن الغذائي ـ والأمن في مجال الطاقة). وإنا لمتفائلون بإذن الله…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.