تبون يفتتح قمة الجزائر بالدعوة لأولوية فلسطين مطالباً بالعضوية الكاملة لها في الأمم المتحدة / الانتخابات «الإسرائيلية» تفتح طريق نتنياهو للعودة إلى الحكم بعد حسم النتائج حول مقعدين / السجالات تملأ الفراغ من أول أيامه… وميقاتي يؤسس لشرعية دوره من الجزائر «بلا استفزاز» /
كتب المحرّر السياسيّ
يبدو المشهد العربي مفتوحاً على المزيد من الفراغ مع غياب الصف الأول السعودي عن قمة الجزائر، حيث تمثل القيادة السعودية الطرف الوحيد القادر على منح دعوات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لرد الاعتبار لأولوية القضية الفلسطينية، والمبادرة العربية للسلام، وإعادة ضبط الموقف العربي تحت سقف هذه المبادرة، وطلب حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وبغياب السعودية تحوّلت القمة الى مشهد إعلامي خطابي لحكام الدول المشاركة وممثليها، ولأن «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، كان كافياً أن تواجه المساعي الجزائرية بإعادة المقعد الخاص بسورية إلى صاحبها الأصيل، ما واجهته واستدعى من دمشق إبلاغ الجزائر عدم الحماسة لجعل العودة السورية الى الجامعة أحد عناوين القمة العربية، لنعرف حجم الفراغ الذي يحكم الوضع العربي.
بالتوازي مع الفراغ العربي فراغ «إسرائيلي» لن تكون عودة بنيامين نتنياهو الى رئاسة الحكومة كافية لملئه. فالكيان مصاب في ما هو أعمق من أزمة حكومة، ونتنياهو هو الرئيس الدائم للكيان لأطول مدة حكم لم ينتج عنها سوى الفشل، والأزمة العميقة هي أزمة خيارات تعصف بكيان الاحتلال، حيث لا قدرة على التقدم برؤية سياسية تتيح تعويم مشروع التفاوض، ولا قدرة على الذهاب لخيار الحرب. والوضع في فلسطين والصراع مع قوى المقاومة في المنطقة، يقولان إن المنطقة لا تحتمل المراوحة، وإن الكيان عاجز عن التساكن مع هذا الحجم من الأزمات.
الانتخابات «الإسرائيلية « التي انتهت ليل أمس تقول وفقاً لنتائجها الأولية، حسب مكاتب استطلاع الرأي، إن التحالف الذي يقوده بنيامين نتنياهو فاز بـ 61 مقعداً أو 62 مقعداً، بينما لم تعلن النتائج النهائية، وفارق المقعد أو المقعدين، عن عدد الـ 60 مقعداً يقرّر في حال ثبوته فوز نتنياهو، وفي حال تبدّله عودة الكيان إلى المأزق الحكومي.
لبنانياً، تواصل السجال السياسي حول تقييم عهد الرئيس ميشال عون في اليوم الأول للفراغ الرئاسي، ومثله السجال حول الملف الحكومي، ما يفتح الباب للمزيد من الفراغ أمام استعصاء التوصل بسهولة إلى التوافق اللازم لانتخاب رئيس للجمهورية، بينما بدا أن توافق الحد الأدنى على الوضع الحكومي قد تمّ تحت سقف تصريف الأعمال من دون الدعوة الى اجتماعات للحكومة إلا في حالات استثنائية يقررها التشاور الذي يترجم توافقاً بين مكونات الحكومة، ومنها التيار الوطني الحر، وكانت حركة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الجزائر، يرافقه وزيرا الخارجية عبدالله بوحبيب والطاقة وليد فياض أبرز تعبيرات الشرعية التي حازها ميقاتي لتصريف الأعمال، رغم السجال.
اختبر لبنان أمس، اليوم الأول للفراغ في سدة رئاسة الجمهورية بموازاة حكومة تصريف أعمال متنازع على شرعيتها الدستورية، بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون الذي انتقل الى منزله الجديد في الرابية، حيث أقفل مكتب رئيس الجمهورية وقاعات مجلس الوزراء والاجتماعات والاستقبال، وأنزل العلم اللبناني عن شرفة القصر وعن السارية في الساحة الخارجية. كما أقفلت سائر الأبواب المؤدية الى البهو الكبير وجناح إقامة الرئيس.
واستبق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الاشتباك الدستوري المرتقب حول دستورية حكومته وقدرتها على تسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية وإدارة البلاد في فترة الشغور، بالتأكيد من الجزائر بأن «صلاحيات رئيس الجمهورية لا تعود بموجب الدستور الى رئيس الحكومة، بل إلى مجلس الوزراء، وسنعمل على إدارة شؤون البلاد من دون استفزاز، ولكن الاولوية تبقى لانتخاب رئيس جديد للبلاد وتأليف حكومة جديدة، وأن يكون التعاون والانسجام قائماً بينهما. ومن هذا المنطلق سيبقى تعاوننا مع المجلس قائماً وفاعلاً».
وعن احتمال دعوته مجلس الوزراء الى الانعقاد قال: «اذا لم يكن من موجب وطني أساسي وملحّ فإنني لن أدعو الى جلسة لمجلس الوزراء وسنستمرّ في تصريف الأعمال بشكل عادي. وفي حال استجدّ أي أمر طارئ فسأقوم بالتشاور المسبق مع المكوّنات التي تتشكل منها الحكومة قبل اتخاذ أي قرار».
ورداً على سؤال عن احتمال مقاطعة بعض الوزراء الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء قال «اذا كان النصاب مؤمناً تنعقد الجلسة وتتخذ القرارات بأكثرية الثلثين. واتمنى أن يكون التعاون من قبل الجميع لتمرير هذه المرحلة الصعبة».
وعلمت «البناء» أن الوزراء المحسوبين على الرئيس عون والتيار الوطني الحر سيقاطعون جلسات الحكومة واجتماعات لجانها، وهم وليد نصار وعبدالله بوحبيب ووليد فياض وموريس سليم وأمين سلام، هنري خوري لكن سيستمرون بتصريف الأعمال في وزاراتهم بالحدود الدنيا وما وجود وزير الطاقة وليد فياض مع ميقاتي في الجزائر إلا دليل على ذلك. أما وزير المهجرين عصام شرف الدين فسبق وأعلن مقاطعته وانسحابه من الحكومة بسبب خلافه مع ميقاتي، أما الوزيران المحسوبان على حزب الله علي حمية ومصطفى بيرم فيتقرّر موقفهما حسب الحالة مشاركة أو مقاطعة.
وبذلك قد يصبح عدد الوزراء المقاطعين 9 وزراء، في حال تضامن وزيري حزب الله مع وزراء التيار، أي ثلث الحكومة وبالتالي في هذه الحالة، لن يستطيع ميقاتي عقد جلسات مجلس الوزراء أو اتخاذ أي قرار من دون وزراء التيار والحزب.
وأشارت مصادر وزارية لـ«البناء» الى أن «ميقاتي وتجنباً لاستفزاز التيار الوطني الحر سيعتمد أسلوب عقد الاجتماعات الفردية مع كل وزير على حدة وفق اختصاصه والملف المعنيّ به، بالتوازي مع عقد اجتماعات للجان وفق الحاجة ولن يدعو الى جلسات لمجلس الوزراء إلا بالحالات الطارئة التي تستدعي جلسة للحكومة وبعد توافق مسبق بين القوى السياسية، وسيتمّ التركيز بعقد الاجتماعات مع الوزراء على الملفات الملحّة كترسيم الحدود والطاقة واستيراد الفيول. واللجان المعنية بالملفات الاقتصادية كالتفاوض مع صندوق النقد الدولي». وهذا الأسلوب وفق المصادر لن يلقى اعتراض أحد.
إلا أن المصادر تشير الى إشكالية تكمن في بعض القرارات التي قد تحتاج الى مجلس وزراء كزيادة تعرفة الكهرباء واستيراد الفيول والقمح. وطمأنت المصادر الى أن رواتب القطاع العام مؤمنة في فترة تصريف الأعمال.
وفي هذا الصدد أعلنت وزارة المال أمس، «صرف كامل رواتب القطاع العام ومتابعة الإجراءات التقنية لتأمين اعتمادات لرواتب المتقاعدين».
ووفق معلومات «البناء» فإن حزب الله أبلغ ميقاتي بأن وزيريه لن يحضرا أي جلسة لمجلس الوزراء من دون توافق مسبق، وتمنّى عليه عدم الدعوة الى جلسات وضرورة التوصل الى صيغة لإدارة الدولة لا تتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية ولا تترك البلاد للفراغ الشامل من دون سلطة تدير شؤون البلاد والمواطنين.
وأشارت أوساط في حركة أمل لـ«البناء» الى أن الحكومة الحالية تستطيع أن تقوم مقام رئاسة الجمهورية وإدارة البلد لتفادي الفراغ. وعلمت «البناء» أن وزراء أمل تبلّغوا بضرورة أن يمارسوا أعمالهم في تصريف الأعمال في وزاراتهم وحضور جلسات اللجان التي يدعو إليها ميقاتي وكذلك حضور جلسات مجلس الوزراء إن دُعي اليها، علماً أنه ندر أن عقدت جلسات في فترات الشغور الرئاسي، وآخرها في حكومة الرئيس حسان دياب التي لم تعقد أي جلسة خلال فترة تصريف الأعمال.. فكيف إذا لم تنل الحكومة ثقة المجلس النيابي وفي فترة الشغور؟
وتتجه الأنظار الى ساحة النجمة مجدداً حيث يعقد المجلس النيابي جلسة، لكن هذه المرة ليس لانتخاب رئيس للجمهورية، بل لمناقشة الرسالة التي وجّهها الرئيس عون الى المجلس المتعلقة بتكليف ميقاتي، والوضعية الدستورية لحكومة تصريف الأعمال. وأشارت مصادر لـ«البناء» الى أن المجلس سيناقش الرسالة وستكون هناك مداخلات للنواب إذ سيطلق نواب التيار مداخلات عالية السقف، لكن لن يصدر المجلس أي توصية ولا قرار بل سيكتفي بأخذ العلم، لكون الحكومة مستقيلة وسقط التكليف. لكنه سيشدّد على ضرورة أن دور الحكومة الحالية بتصريف الأعمال منعاً للفراغ الشامل.
ووفق معلومات «البناء» فقد يستغل رئيس المجلس النيابي نبيه بري وجود الكتل النيابية لاستمزاج آراء الكتل إزاء دعوته للحوار. ولفتت الى أن خريطة المواقف لا زالت على حالها حيال الاستحقاق الرئاسي.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن الرئيس بري يواصل حراكه باتجاه تأمين الظروف الملائمة للحوار، لكنه لن يدعو إلى جلسة قبل توافر معطيات جديدة تشي بإمكانية انتخاب رئيس.
وأكد عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم لـ«البناء» أن «مبادرة الرئيس بري الحوارية ما زالت قائمة، والاتصالات على وتيرتها لاستكمالها حتى النهاية ليبنى على الشيء مقتضاه»، لافتاً إلى أن «البعض قد يراهن على تدخلات من هنا وهناك، لكن تبقى المسؤولية على عاتق الكتل النيابية والسياسية للتواصل والتفاهم حول هذا الاستحقاق».
وإذ أكدت أوساط أمل لـ«البناء» بأن باب الانتخاب موصد حتى الساعة بسبب عدة قوى منها القوات اللبنانية والكتائب وكذلك التيار الوطني الحر الذي يصرّ رئيسه على ترشيح نفسه رغم علمه عدم التوافق عليه، علمت «البناء» أن حزب الله دخل على خط التهدئة واحتواء التصعيد على جبهة حركة أمل والتيار الوطني الحر، وقد نجحت المساعي الى حد كبير وقد خفت وتيرة التصعيد أمس.
وكانت لافتة زيارة المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا لمسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي، وجرى التوافق على ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة جديدة، وعلمت «البناء» أن هدف زيارة المسؤولة الأممية هو تهنئة حزب الله بإنجاز ترسيم الحدود، والحضّ على انتخاب رئيس الجمهورية.
وعلمت «البناء» أن حركة فرنسية شهدتها الأيام الماضية باتجاه أكثر من طرف سياسي لبناني لتسريع انتخاب رئيس للجمهورية، وقد حصل أكثر من لقاء بين السفيرة الأميركية في لبنان ومسؤولين في حزب الله وقد وضع الفرنسيون مواصفات للرئيس بأن يكون قادراً على الحوار والتواصل مع الجميع في الداخل والخارج وذا شخصية توافقية ووفاقية. كما من المتوقع أن يحصل حراك روسي باتجاه لبنان مع زيارة مرتقبة لمسؤول روسي بارز ومرشح أن يكون نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف.
وأطلق رئيس التيار «الوطني الحر» جبران باسيل، سلسلة مواقف عالية السقف في حديث عبر قناة «الجديد»، مشيراً الى أن «الأبشع هو الفراغ الحكومي فوق الفراغ الرئاسي وشرعية الحكومة لا تستمد من الخارج»، معتبراً أننا «أمام سابقة وجود فراغين الاتكال هو على مجلس النواب، أولاً من خلال انتخاب رئيس وثانياً من خلال الإنتاج». وذكر أننا «لم نتشاور مع حزب الله في موضوع توقيع مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، والهدف من المرسوم التأكيد بأن الحكومة مستقيلة مقابل كل الكلام الذي قيل في هذا الإطار وهو مرسوم يعلن عن حالة ولا ينشئها»، مؤكداً أن «حزب الله تدخل بشأن تأليف الحكومة، لكنني أثبت لهم مراراً أن ميقاتي لن يؤلف الحكومة ويقوم بتضييع الوقت».
وأضاف باسيل، «تشاورنا مع حزب الله بالعمق في موقفنا من الحكومة وطالبتهم بموقف، وقد حصل اتفاق بين الثنائي الشيعي وميقاتي بالا تعقد هذه الحكومة اجتماعات، علماً أن تصريف الأعمال طبيعي، ولكن ربما يخلقون أحداثاً معينة ليفرضوا اجتماعات».
واعتبر أنه «لو كانت هناك جدية لكان نقاش رسالة الرئيس السابق ميشال عون تمّ الاثنين لا الخميس وسيكون لنا كلام نقوله في الجلسة».
ولفت باسيل، الى أن «قطر كانت من خلف الستار تساعد في خلق الأجواء السياسية بملف الترسيم وكان لها دور إيجابي، كنا دائماً نستند الى تهديدين: ديبلوماسياً من خلال موضوع الخط 29 وعسكرياً من خلال المسيّرات ودور حزب الله».
ولفت باسيل، الى أن «ميقاتي أجرى اتصالات اليوم (أمس) لإغلاق التحقيق بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة»، مضيفاً أن «ميقاتي أرسل وسيطاً قبل سفره الى الجزائر يطلب منح الثقة مقابل تشكيل حكومة، فتمنينا له التوفيق».
ولم يتأخرّ رد ميقاتي عبر مكتبه الإعلامي، ونفى ميقاتي ما أدلى به باسيل، أكد أن باسيل هو من أرسل موفداً لطلب إصدار التشكيلة الحكومية كما هي بشكلها الحالي.
وكان ميقاتي واصل لقاءاته في الجزائر على هامش تمثيله لبنان بالقمة العربية، واستقبل ميقاتي أمس أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ولفت أمير قطر الى أن «قطر ترغب في الإفادة من الطاقات اللبنانية، وهي اعلنت عن حاجتها الى توظيف مئة الف لبناني في كل القطاعات، فيما المتوافر حالياً في قطر حوالى ثلاثين ألف لبناني فقط».
وتشهد المناطق اللبنانية حراكاً مكثفاً وحركة غير اعتيادية للسفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري الذي يسرح ويمرح بشكل لافت، فأكد أن العلاقات السعودية – اللبنانية ستتحسّن بعد تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية سيادي يستعيد ثقة المملكة والدول المهتمة بالملف اللبناني، وقد جاء موقفه خلال لقائه المشايخ والعلماء في أزهر البقاع.
لكن البخاري وفق المعلومات غادر اللقاء مع عشائر بلدة الفاعور خلال جولته البقاعية اثر إشكالات أمنية عند المداخل بين العشائر. وقد طالبت كلمات خلال اعتصام العشائر بعد مغادرة السفير السعودي من بلدة الفاعور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إقالة البخاري من لبنان.
على صعيد أزمة النزوح، تكشف مصادر وزارية معنية لـ«البناء» عن لوائح جديدة يجري تحضيرها لتسيير قافلة جديدة خلال أيام تضم آلاف النازحين وتنتظر انطلاق القافلة موافقة السلطات السورية التي تدقق الأسماء التي تحتوي مطلوبين للاحتياط أو خدمة الجيش أو ملاحقين قانونياً، حيث سيستفيدون من قانون العفو، وتضمّ القافلة أكثر من 1000 شخص و150 عائلة من اللائحة الجديدة.
وأشارت الى أن مفوضيّة شؤون اللاجئين والدول المانحة رفضوا خطة الوزارة لإعادة النازحين، لكن لبنان فرض على المفوضية تطبيق القانون لإعادة النازحين طالما أن العودة طوعيّة، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة سنة 1951 وبرتوكول 1967 الذي لم يوقع عليهما لبنان، كما وأن هناك اتفاقية سنة 2003 بين المفوضية السامية ووزارة الداخلية الذي ينص على أن كل طالب لجوء سياسي الى لبنان على الأمم المتحدة نقله الى دولة ثالثة».
وعلمت «البناء» أن ميقاتي يحتجز اعتماداً في مصرف لبنان لإحدى الوزارات لأهداف سياسية وشخصية.