الانتخابات الأميركية اليوم ومستقبل الرئاسة… والمخاوف تتحدث عن مخاطر تفكك وحرب أهلية / بري: قد لا يتحمل لبنان أكثر من أسابيع… والأولوية لانتخاب رئيس… وشرطه التوافق/ اللجان تفشل في إقرار الكابيتال كونترول… وبوصعب يحمّل غياب الحاكم… وباسيل: لا إرادة سياسيّة /
كتب المحرر السياسي
تتوجه أنظار العالم نحو المشهد الانتخابي الأميركي اليوم، بصورة تختلف عن مقاربة الانتخابات التقليدية الأميركية، حيث تشير التوقعات واستطلاعات الرأي إلى أرجحية فوز الحزب الجمهوري بحصاد النتائج لصالح الإمساك بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ بالإضافة إلى الفوز بالعديد من حكام الولايات، وتطرح هذه الترجيحات تأثيراً مباشراً على الرئاسة الأميركية، سواء لجهة شل قدرة الرئيس الحالي جو بايدن على التصرف بحرية في ممارسة صلاحياته، التي تقيدها صلاحيات مجلسي النواب والشيوخ، ويشكل فقدان حزبه للأغلبية الهشّة فيهما سبباً لتغييرات يتحدث الجمهوريون عن أن وجهتها ستكون في السياسة الخارجية لجهة تقييد تمويل الحرب في أوكرانيا، وتقييد فرص العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، بينما سيكون من جهة موازية لهذه التغييرات في حال حدوثها التأثير على الانتخابات الرئاسية عام 2024 التي يزمع الرئيس السابق دونالد ترامب الترشح للفوز بها، حيث تشكل الأغلبية الجمهورية في الكونغرس والسيطرة على مناصب حكام الولايات في عدد كبير منها عامل ترجيح لكفة المرشح الجمهوري ترامب على حساب منافسه الرئيس الحالي جو بايدن المتطلع لولاية ثانية.
إقليمياً بدأ تعثر بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة، رغم فوز التحالف الذي يقوده في الانتخابات بأغلبية كافية لتشكيل الحكومة، يتحول الى قضية رأي عام في كيان الاحتلال، مع ظهور تقارير صحافية في أغلب وسائل الإعلام في الكيان تتحدث عن صعوبات تتصل بمطالب الحلفاء في التركيبة الحكومية، وخطوط حمراء أميركية أوروبية تساندها المؤسسات العسكرية والأمنية، تحول دون تلبية هذه المطالب التي تتصل بحقائب ذات وظيفة أمنية وعسكرية. وتسود التوقعات بأن يتجاوز الاستعصاء الموعد الذي قال نتنياهو إنه سيقدّم خلاله حكومته لنيل الثقة أمام الكنيست، بينما يلتزم نتنياهو الصمت تجاه وعوده السابقة بالانسحاب من اتفاق تقاسم المناطق الاقتصادية البحرية مع لبنان، أو بعدم الالتزام بمندرجاته، بينما يشدّد حزب الله على أن الأمر ليس بيد نتنياهو لأن المقاومة ستكون حاضرة للمواجهة إذا ما ارتكب نتنياهو أي حماقة للمساس بما بات اليوم حقوقاً لبنانية مثبتة وخالصة، وهي كانت حاضرة لهذه المواجهة يوم كانت هذه المناطق تسمّى بالمتنازع عليها، فكيف وقد صارت بعرف القانون الدولي مناطق لبنانية لا نزاع عليها.
لبنانياً، حدّد رئيس مجلس النواب موقفه من الكثير من القضايا المطروحة خلال لقائه بمجلس نقابة الصحافة، حيث أكد دعوته لجلسة انتخاب رئاسي كل أسبوع، كاشفاً قناعته بأن لبنان لن يتحمل أكثر من أسابيع، داعياً للتوافق على انتخاب الرئيس لأن هذا هو الطريق الوحيد للخروج من الفراغ، وعن اتفاق الطائف قال إن الطائف ليس إنشاء عربياً بل هو دستور ساوى بين اللبنانيين، مشيراً الى الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وسعيه مراراً لتشكيلها وإقرار قانون انتخابات خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس للشيوخ، لكن محاولاته لم يكتب لها النجاح.
في مجلس النواب كانت اللجان النيابية المشتركة تحاول مرة جديدة إقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول، وانتهت بالفشل، وفيما حمّل نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب غياب حاكم مصرف لبنان المسؤولية، قال رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إن المشكلة تكمن بغياب الإرادة السياسية اللازمة لإقرار القانون.
لم يُسجل المشهد الرئاسي أي جديد رغم الحراك السياسي الخجول على خط عين التينة، بانتظار انعقاد جلسة مجلس النواب الخميس المقبل التي تشكل بالون اختبار لمدى التغير في مواقف الكتل النيابية، وما إذا كان تصويتها سيكون نسخة عن الجلسات السابقة أم تفتح ثغرة أمام الحوار وتفتح الباب أمام تسوية بين الكتل النيابية لجوجلة المرشحين لاختيار مرشح يتم تأمين نصاب 86 لانعقاد الجلسة وأكثرية 65 لانتخابه. وتتجه الأنظار الى اجتماع تكتل لبنان القوي مساء اليوم حيث من المرجّح أن يحسم التكتل مرشح التيار الوطني الحر للرئاسة وفق ما علمت «البناء»، على أن تبقى الكتل النيابية الأخرى على مواقفها السابقة.
وأشارت مصادر التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى أن تكتل لبنان القويّ سيحسم الموقف من مسألة الاستحقاق الرئاسي، وقد يخرج باتفاق على مرشح معين وليس بالضرورة أن يحظى بتوافق الآخرين وأن يكون له حظوظ بالفوز، لكن التيار سيمارس حقه الديموقراطي ويقدّم مرشحاً للتوافق عليه بعد تحميله مسؤولية عرقلة التوافق بتصويته بورقة بيضاء، لكن المصادر أبقت الورقة البيضاء كخيار قائم ووارد ولم يلغَ حتى الساعة بانتظار اجتماع اليوم. وشدّدت على أن اسم المرشح لن يعلن في الإعلام وسيبقى طي الكتمان حتى يوم الخميس المقبل، وهو لا ينتمي الى التيار وإن كان مقرباً بمكان ما، لكنه شخصية وطنية ويحظى بالثقة والكفاءة وسياديّ ومستقل.
وعلمت «البناء» أن كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة ستصوتان بورقة بيضاء ولن تقدّما مرشحاً في جلسة الخميس، ويعتبر ثنائي حركة أمل وحزب الله بأن الظروف لم تنضج بعد لإعلان مرشحهما الجدّي ولن يضيعا الوقت بمرشحين غير جديين ولن يقابلا مرشح التحدّي الذي يقدمه الطرف الآخر بمرشح تحدٍّ مقابل ما يرفع السقوف ويؤدي الى مزيد من التعقيد في المشهد الرئاسي ويقفل أبواب الحوار.
ولفتت أوساط نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» إلى أن «الأمور لم تتبدل وما زلنا على موقفنا أن التوافق وفق المواصفات التي وضعها الرئيس بري هي أقصر الطرق الى انتخابات رئيس بمواصفات وطنية جامعة، وبالتالي الرئيس بري لن يقفل أبواب الحوار بشكل كامل بل سيقوم بحوارات بالمفرق لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الكتل».
ولفتت مصادر مطلعة على اللقاء بين الرئيس بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي زار عين التينة أمس الأول، لـ»البناء» إلى أن «العلاقات بين الطرفين تاريخية وليست مستجدّة وخلال أي قضية كانت تحصل لقاءات بين الرجلين ولذلك اللقاء الأخير طبيعي، حيث تمّ خلاله التداول بكل ملفات الساعة وتم التشديد على ضرورة التفاهم والتوافق على الاستحقاق الرئاسي وهذا ما ألمح إليه جنبلاط في تصريحه».
ولا تستبعد المصادر أن يتقدّم جنبلاط خطوة الى الأمام إذا ما لمس تقارباً في مواقف ثنائي أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر على مرشح معين، وإن كان أعلن التزامه بالتصويت للنائب ميشال معوض بجلسة الخميس، لكنه مستعدّ للحوار والتفاهم على مرشح بديل يحظى بتوافق أوسع عدد من الكتل النيابية. لكن حتى توفر هذا التوافق سيبقى في المكان نفسه.
وأطلق رئيس المجلس النيابي نبيه بري سلسلة مواقف في الشأن الداخلي، وشدّد لوفد من نقابة الصحافة زاره في عين التينة، أنه «سوف يدعو الى عقد جلسة كل أسبوع وهو ملتزم بهذا الأمر»، مشيراً الى أن أولى الأولويات هي لانتخاب رئيس الجمهورية، مجدداً الدعوة الى التوافق في هذا الاستحقاق.
وحذر بري من أن «لبنان قد يستطيع أن يتحمل أسابيع لكنه لا يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك ولا يمكن ان يتحمل لبنان واللبنانيون المزيد من التدهور». وكشف رئيس المجلس «أن جدول أعمال الحوار الذي كان في صدد الدعوة اليه كان فقط التوافق على الانتخابات الرئاسية ونقطة على السطر. وكل المحطات الخلافية التي مرّ بها لبنان انتهت بالحوار والتوافق من الطائف الى الدوحة الى طاولات الحوار في الداخل فهل نتعظ؟». وجزم بري أن «الوضع الأمني في لبنان محصن واللبنانيون يملكون من الوعي ما يكفي لعدم الانجرار والانزلاق في أتون الاحتراب والفتن».
وعن المزاعم التي تقول إنه «يقف وراء حماية حاكم مصرف لبنان»، قال بري «اسألوا من مدَد له!! وأقول «إذا بيي مرتكب أنا لا أغطيه».
واذ لفت الرئيس بري الى «ان اتفاق الطائف ليس إنشاء عربياً، الطائف هو دستور ساوى بين اللبنانيين»، علّق حزب الله على مؤتمر إحياء ذكرى اتفاق الطائف الذي عقد في بيروت والمواقف التي تخللته، وذلك على لسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم والذي شدّد عبر «تويتر» أن الحزب «لم يطرح خلال هذه الفترة تعديل أو تغيير النظام السياسي المرتبط بالطائف نظراً للحساسيات الموجودة في لبنان، ولأنَّ المشكلة ليست أساساً في التعديل أو عدمه، وإنما فلنطبق أولاً ما ورد في الطائف وبعد ذلك نرى إذا كان المطلوب إجراء تعديلات أم لا».
وقال قاسم: «منفتحون إذا أراد أي فريق أن يطرح تعديلات معينة في الطائف وفق الآليات الدستورية المعروفة، والتي تمرُّ عبر مجلس النواب، وتحتاج إلى موافقة الثلثين عند أي تعديل، عندها نبدي رأينا في التعديل المطروح، لكن كحزب الله ليس لدينا مشروع تعديل الطائف، وليس لدينا مشروع نظام سياسي جديد. نحن ندعو إلى حسن التطبيق للطائف، ووضع حد للفساد وللتدخلات الأجنبية ولتصرفات أميركا في لبنان».
ووضعت أوساط سياسية عقد مؤتمر لإحياء اتفاق الطائف الذي لم يطبق معظم بنوده منذ ثلاثة عقود فضلا عن المواقف التي أطلقت خلال المؤتمر، في إطار الاستعراض الإعلامي والتموضع السياسي لمزيد من التدخل السعودي المباشر في الشأن الداخلي اللبناني ولا سيما في الاستحقاقات الرئاسية والحكومية، واستمرار سياسة التمييز التي تعتمدها السفارة السعودية في لبنان، وما يؤكد ذلك استبعاد أطراف سياسية أساسية عن المؤتمر كحزب الله والتيار الوطني الحر رغم الحضور الخجول لأحد نواب التيار.
وأشارت المصادر لـ»البناء» الى أن غياب عائلة الحريري عن المؤتمر يشكل تكريساً لإقصاء الرئيس سعد الحريري وعائلته وتياره السياسي عن المشهد السياسي ومصادرة القرار السني، رغم وجود شفيق الحريري والذي لا يملك أي تمثيل سياسي أو نيابي. وتتساءل المصادر: أين سيصرف هذا المؤتمر؟ هل يشكل تمهيداً وقاعدة سياسية لتفعيل التدخل السعودي في لبنان وامتلاك التأثير في أي حل أو تفاهم لبناني في ظل دخول البلاد في حالة فراغ رئاسي وحكومي وتأزيم سياسي وطائفي وفوضى دستورية مترافقة مع أوضاع اقتصادية ومالية خطيرة منذ 3 سنوات؟
واعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن «من صنعوا الحرب لا يزالون يحكمون البلد»، لافتاً الى أنهم «حتى اليوم لم يتمكنوا من تنقية ذاكرتهم ونسمعهم كيف يتراشقون الكلام الجارح في كل مناسبة».
وخلال اجتماع كنسي، لفت الى أن «تنقية الضمائر هي الشرط لإجراء حوار صريح وبناء بين المسيحيين والمسلمين من جهة وبين الأحزاب والكتل النيابية من جهة ثانية وذلك ليسلم العيش المشترك المنظم»، معتبراً أن «لبنان في اخطر مرحلة من تاريخه السياسي والاقتصادي».
وكان النائب السابق وليد جنبلاط، استقبل في كليمنصو، أمس السفير الإيراني الجديد في لبنان مجتبى أماني، بحضور نائب رئيس الحزب دريد ياغي، أمين السر العام ظافر ناصر ومفوض الشؤون الخارجية زاهر رعد. وكان عرض لمختلف الأوضاع العامة.
في غضون ذلك، يملأ مجلس النواب الوقت السياسي الضائع بمناقشة مشروع قانون «الكابيتال كونترول» الذي سقط أكثر من مرة في اللجان النيابية في ظل خلاف مستحكم بين الكتل النيابية على صيغة موحدة، في ضوء تأثير «حزب المصارف» على كثير من الكتل والنواب لكي تأتي صيغة القانون لمصلحة المصارف.
وطلب نائب رئيس المجلس الياس بوصعب الذي ترأس جلسة اللجان، من نائب حاكم مصرف لبنان ألكسندر ماراديان، مغادرة الجلسة قائلاً له: «طلبنا حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لا حضورك فرجاءً غادر الجلسة وبلّغ سلامة أننا نريده أن يحضر شخصياً جلسة الكابيتال كونترول لا أن يوفد ممثلاً عنه، فخرج ماراديان من الجلسة وغادر البرلمان».
وأوضح بوصعب بعد الجلسة أنه سيتم استكمال النقاش اليوم إفساحاً في المجال أمام النواب للاطلاع على خطة التعافي الحكومية. إلا أنه تم تأجيل جلسة اللجان إلى الاثنين المقبل، بعد اعتراض بعض النّواب بسبب تعارضها مع مواعيد للّجان الأخرى.
وكشف مصدر نيابي مشارك بالجلسة لـ»البناء» أن «الخلاف حول بنود القانون طيّر الجلسة مرة جديدة وأطاح بالقانون، إذ انقسم المجلس الى آراء عدة، ولم يتم التوافق على أي بند فيه»، لكن المصدر شدّد على أن «الاثنين المقبل سيكون حاسماً ومفترض إقرار القانون لو تتطلب الامر جلسات متتالية». وعلمت «البناء» أن العقدة تكمن في الخلاف بين لجنة المال ومصرف لبنان والمصارف والحكومة على توزيع الخسائر في خطة التعافي وأكثر من جهة تربط إقرار الكابيتال كونترول بخطة التعافي، لا سيما أن المصارف لن توافق على أي صيغة للكابيتال كونترول لجهة تحديد السحوبات النقدية والتحويلات المصرفية وتعريف حسابات «الفريش دولار» قبل معرفة حجم الخسائر الذي ستتحمله في خطة التعافي وكيفية تسديد هذه الخسائر وآلياتها وآجالها وحسم مسألة سعر الصرف، علماً أن أكثر من نائب شدّد خلال الجلسة وفق معلومات «البناء» على أن قانون الكابيتال كونترول منفصل عن خطة التعافي التي تقرها الحكومة وترسلها الى المجلس النيابي. كما علمت أن «صندوق النقد الدولي يضغط لإقرار القوانين الإصلاحية لا سيما الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف وهو أبلغ المسؤولين المعنيين ضرورة إقرار هذه البنود الإصلاحية لتسهيل المفاوضات مع صندوق النقد».
وخلال جلسة اللجان، أشار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى «أننا كتكتل نتّهم بأن هناك إرادة سياسية بعدم إقرار قانون الكابيتال كونترول، واذا كان الجميع مستعدّاً فلنقرّه اليوم». وأضاف: «أولاً، القانون مضت عليه ثلاث سنوات وشهر وكان يجب أن يقرّ منذ ذلك الحين ولم يقرّ! فماذا نريد برهاناً اكثر من ذلك على ما اقول؟ ثانياً، ليس صحيحاً ان الغاية من إقراره لم تعُد موجودة وأنا أعيد التأكيد أن هناك عدداً من المصارف لا يزال يحول أموالاً للخارج باستنسابية واعتباطية ولأصحاب نفوذ، وبما أن هذا الأمر كلنا نعرفه فمن الضروري إقرار القانون».