أميركا ليست قدراً وستُهزم…
} شوقي عواضة
منذ وصوله إلى سدّة رئاسة مجلس الوزراء في باكستان في 18 آب/ أغسطس 2018 عمل عمران خان على تحرير القرار الباكستاني من عوالق التّبعات الخارجيّة. أولى مواقفه تجلّت بالاعتذار عن عدم حضور (قمّة من أجل الدّيمقراطيّة) التي دعا إليها الرّئيس الأميركيّ جو بايدن والتي عقدت في التّاسع من كانون الأوّل /ديسمبر 2021، رفض خان جاء بناء على أنّ باكستان لا ترغب بالانضمام إلى أيّ تجمعٍ سياسيٍّ ضدّ أحدٍ وبعدما عانى العالم الكثير من الحرب الباردة التي لن تكون باكستان جزءاً منها وفقاً لتعبيره. أمّا الخطوة الأكبر والأجرأ التي اتخذها عمران خان فقد كانت باقترابه من الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين من خلال زيارته لموسكو في 23 فبراير/ شباط الماضي مخالفاً نصيحة وزارة الخارجيّة والقوّات المسلّحة الباكستانيّة بعدم التّقارب مع موسكو التي قرّرت حينها غزو أوكرانيا. تقارب كان شبيهاً بتقاربه مع بكين وفقاً لما نشرته مجلّة «تايم» الأميركيّة حينها إضافةً إلى زيارته لطهران عام 2019 حيث التقى الرئيس روحاني ومرشد الثّورة الإسلاميّة السيد علي الخامنئي بعد زيارته للرياض في محاولةٍ لنزع فتيل التّوتر بين إيران والسّعودية بسبب الصّراع المستمرّ في اليمن.
فعمران خان الذي كان يعمل على الحدّ من التوتر في المنطقة التي قال إنّها ليست بحاجةٍ إلى صراعٍ جديدٍ أو أزمة جديدة فيها كان واضحاً في سياسته إلى حدّ أنّه لم يخفِ استياءه من الضّغوط الأوروبيّة على بلاده بهدف اتخاذ موقفٍ معادٍ لروسيا في حربها على أوكرانيا، أبلغ مبعوثي الاتحاد الأوروبي أنّ بلاده «ليست عبداً» للأوروبيين، وكرّر موقفه هذا أمام تجمّعٍ في منطقة فيهاري بحضور سفراء الاتحاد الأوروبي إذ قال: أرسل سفراء الاتحاد الأوروبي رسالة تطالبني بإدانة العمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا! فهل تجرّأ الاتحاد الاوروبي على قطع العلاقات مع الهند أو توقيف التّجارة معها عندما انتهكت الهند القوانين الدّولية في كشمير المحتلّة.
مواقف وتصريحات أقلقت الأميركي والسّعودي اللذينِ أزعجتهما سياسة خان التي أدّت إلى تراجعٍ في أدوارهما ممّا استدعى إقالة حكومته وتعيين شهباز شريف رئيساً للوزراء. وحصل ما لم يكن في الحسبان من خروج لجماهير خان إلى الشّارع دعماً لعودته إلى السّلطة وسط إحكام سيطرته على حكوماتٍ أكبر أربعة أقاليم في حين أنّ حكومة شهباز شريف تسيطر على حكومة إقليمٍ واحدٍ لا تتجاوز مساحته 25 كلم. وعلى ما يبدو أنّ مشهد الحضور الشّعبي لأنصار عمران خان أرعب خصومه في الدّاخل والخارج لذا كان القرار باغتياله الأسبوع الماضي حيث نجا من تلك المحاولة بعد إصابته برصاصتين في قدمه ليحمّل مسؤوليّة الاغتيال لثلاثة مسؤولين باكستانيين من بينهم وزير الدّاخلية ورئيس الحكومة شهباز شريف. عملية الاغتيال الفاشلة أعادت للذّاكرة مسلسل الاغتيالات الذي شهدته باكستان، ففي السّادس عشر من أكتوبر 1951.
اغتيل لياقت علي خان من حزب الرّابطة الإسلاميّة وكان أوّل رئيس وزراء لباكستان. وفي الخامس من آب 1988 اغتيل مؤسّس مجلس وحدة المسلمين السّيد عارف الحسيني الذي نجح في توحيد صفوف المسلمين في باكستان، منتفضاً من أجل المستضعفين والمحرومين داعياً الشّعب الباكستاني لمواجهة الأخطار الاستعماريّة التي كان يتقدّمها الوجود الأميركيّ في المنطقة، فكان القرار باغتياله وهو خارجٌ من المسجد بعد أداء صلاة الفجر. ولا ننسى عمليّة اغتيال بناظير بوتو في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2007 أثناء احتفالٍ انتخابيٍّ مع جماهيرها بإطلاق النار عليها وعمليّة تفجير قام بها انتحاري أدّت إلى مقتلها، لتتكرّر عمليّات الاغتيال وتطال النائب عن الحركة القوميّة المتحدة علي حيدر عام 2010 في مدينة كراتشي، واغتيال وزير الأقليات شهباز بهاتي في العاصمة إسلام آباد عام 2011، واغتيال زهرة شهيد حسين نائب رئيس حركة أنصاف التي يرأسها حالياً عمران خان في كراتشي عام 2013، واغتيال رئيس محكمة بلوشستان السّابق القاضي نور محمد مسكانزاي عام 2022.
وعلى ما يبدو أنّ عودة سياسة الاغتيالات التي لن تؤتي ثمارها في باكستان في مواجهة إصرار عمران خان على استكمال معركة التّحرّر من الأميركيّ في ظلّ المزيد من التّصعيد الشّعبي وتصاعد حركة التّعبئة والتّحشيد غير المسبوقة ضدّ المؤسّسة العسكريّة والأجهزة الأمنيّة التي اتهمت بالتآمر على خان الذي أكّد ذلك بإعلانه أنّ الجيش الذي تآمر على مجيب الرحمن عام 1971 ومنعه من الحكم بعد فوزه بالأكثريّة هو نفسه الذي يحرمني ويمنعني من الحكم والمشاركة بالانتخابات المقبلة.
على ما يبدو أنّ حسم المعركة لن يكون بالسّهل والواضح في المواجهة أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة والسّعوديّة أصبحا أمام تحدٍّ كبيرٍ بعد فشل اغتيال عمران خان الذي لم يكشف التّحقيق حتى الآن عن هويّة مستهدفيه. رغم أنّ شواهد الاغتيالات الكثيرة في باكستان وخارجها تقول إنّه في الخارطة الجديدة لا مكان للمتمرّدين على أميركا والسّعودية راعية صفقة القرن وفي وقائع خطّت قاعدة إلهية تقول إنّ أميركا ليست قدراً وستُهزم…