التعليق السياسي
غلطة القاضي بألف
كان اللبنانيون يحتاجون الى قاض شجاع يقتحم المناطق المحرمة، ويضع الذين جمعوا أموالا طائلة على حساب الشعب اللبناني وقاموا بتهريبها الى الخارج في الزاوية الضيقة، ويجبرهم على كشف الاعتراف بالحقائق، ويفتح الطريق لاستعادة الأموال المنهوبة.
ما قامت به القاضية غادة عون أضرّ بهذه القضية التي تم تحت عنوان خدمتها، فالقيام بنشر لائحة يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتم تكذيب نسبتها الى موقع ويكليكس مراراً، كان آخرها في 16-5-2019 على موقع “ليبانون ايكونومي”، خصوصاً أن مجرد النظر فيها والألوان السياسية المستهدفة، مقابل تفادي أي اسم من موقع مخالف، أظهر خفة واستخداماً سياسياً لملف الفساد والتهريب يتجنبهما أي سياسي أو إعلامي، فكيف بالقاضي الذي يفترض أنه متمرّس بملاحقة قضايا الفساد والتدقيق بمصادر المعلومات، خصوصاً أن مهنته تقتضي التدقيق والتحقيق لا التشهير والنشر، كنائب عام ومؤتمن على البحث عن الحقيقة وإحقاق الحق وإقامة العدل.
حذف القاضية عون لتغريدتها لا يحلّ المشكلة، لأنه ليس كما قالت بهدف عدم إثارة المشاكل، بل لتجنب فضيحة سيظهرها أي تحقيق بالمصدر ومدى صحته.
لم تسقط القاضية عون بتغريدتها مصداقيتها كقاضية وحسب، بل أضعفت للأسف مصداقية أي سعي لتحقيق جدي في ملف الفساد والتهريب، لأن إقدام القاضي على اللجوء الى هذه الطريقة البهلوانية رسم سلفاً علامات استفهام على أي مسعى جدي ومهني محترف نحو الهدف ذاته، ولو لجأت القاضية عون الى التقرير الرسمي الصادر عن البنك الوطني السويسري حول تسجيل زيادة بقيمة 2.7 مليار دولار في التحويلات من لبنان خلال العام 2020 فقط، وقررت بدء التحقيق فيه، وهو صادر منذ 23 حزيران 2021، لكانت عبرت عن جدية وروح مسؤولية في مقاربة ملف بهذه الأهمية والحساسية، وقدّمت للملف خدمة كبرى ودفعته خطوة إلى الأمام.
طبعاً يصطف الرأي العام تجاه القضية وفق الاصطفافات السياسية الطائفية أيضاً، ويصعب أن يوجد من يقبل الكلام المنطلق من المصلحة الوطنية وروح المسؤولية، وعندما ينسى القاضي أن الفساد لا يحارب بالشائعات، فلا ينتظر ممن هم أقل تمعناً بالقانون، وأدنى مرتبة في المسؤولية أن يمارسوا التحفظ وأن يطلبوا الحقيقة المنصفة حتى لو برأت خصومهم وأدانت من يحبون.