أخيرة

نافذة ضوء

مصيرنا ما نحن نفعل

‭}‬ يوسف المسمار*
الحركة ميزة الأجسام الحيّة. وكل جسم يفقد قوة الحياة يخمد ويتحوّل الى عدم مهما بدا اهتزازه كبيراً، وانجرافه بجاذبية غيره من الأجسام الحيّة عظيماً.
وإذا صح القول إن أعضاء الجسم الحي التي تنفصل عن محورها تسقط وتتلاشى، فإن الأجسام الحيّة الصحية تبقى حيّة سليمة مهما تساقط من فروعها وأطرافها وأغصانها، لأنها لا تلفظ إلا ما كان يشكل أوراماً خبيثة، وضرراً عليها، ولا تتخلص الا ما كان في تراكمه تعطيلاً لنموها وفاعليتها.
ويختلف الأمر حين تتعرّض الأجسام الحيّة لأسلحة الفتك الرهيبة أو لعوامل جيولوجية قاهرة وهي دون قوة المناعة والمنعة الداخلية الكافية، فيصير سقوطها وزوالها أمراً واقعاً طبيعياً لا مهرب منه ولا سبيل الى تعطيله.
هذه هي حال الأمم العظيمة الحية عندما تنهار ثقة أبنائها بأنفسهم وبأصالة أمتهم وبقوة وتتعطل طاقة الحياة فيها، فتصير حياتها عرضة للتآكل الداخلي وعرضة أيضاً لمكائد الإرادات الخارجية الغريبة العدوانية ضدها، فيقرّر لها أعداؤها المصير الذي يساعد على تحقيق مصالحهم ومطامعهم ومثلهم في الحياة.
وأوضاع أمتنا الراهنة، لا تشير إلا الى فظاعة الهلاك الذي يليق بالمستهترين والجبناء، والذي ما كان لنا أن نواجهه لولا حقارة ودناءة أبنائنا الذين سقطوا الى أحطّ دركات الحقارة والدناءة، ولولا الجبن الذي اعترانا في مواجهة أولئك الحقيرين.
ولولا بقاء أصالة الأمة الفاعلة في الجماعة الواعية المؤمنة والمقاومة والناهضة ببطولة في أعزاء أبناء أمتنا لكانت الأمور تنذر بشر مستطير، وكانت النكبات والكوارث كافية لشل إرادة أمتنا بالكامل وجعلنا نسياً منسياً.
وبهذه الجماعة الواعية الناهضة المصارعة استطاعت أمتنا وتستطيع أن تبقى أمة حيّة بين الأمم، وجديرة بالصمود أمام عواصف النكبات، وجديرة أيضاً بتجاوز وتخطي المصائب والتفوّق على كل ما يعترضنا من معطلات وعراقيل داخلية ومكائد ومؤامرات خارجية.
الأمم الحيّة هي الحيّة بالوعي والإرادة والثقة والعزيمة البطولية التي تقاوم ولا تستسلم، وتقهر الصعاب ولا تُقهر، وتحوّل النكبات الى انتصارات ولا تتحوّل إلى انقهارات. وهي هي بالذات الأمل الذي ليس فوقه أمل.
فيا أبناء أمتنا الأحياء المجاهدين الذين يتجوهر فيكم الوجود الذي يقهر العدم، والأمل الذي لا يعرف اليأس، وحيوية أصالة الأمة المتجددة ثقة وإيماناً وعزيمة في النفوس التي ما استسلمت أمام طغيان بل قضت على كل طاغٍ.
إن على قوتنا الفاعلة يتوقف حكم التاريخ، ومصيرنا لن يكون غير ما نحن، وغير ما نريد، وغير ما نفعل ونحقق.
*باحث وشاعر قومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى