التعليق السياسي
هوكشتاين يكذب مراراً ويعترف ثلاث مرات
لا بدّ من تذكير أصحاب الذاكرة الضعيفة الذين يريدون منّا أن نصدق بأن الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين ضمانة للالتزام الإسرائيلي بعدم المساس بمصالح لبنان في النفط والغاز، أنه بالإضافة إلى تاريخه الصهيوني وإلى تمثيله إدارة أميركيّة لا تنفك تؤكد تماهيها مع مصالح كيان الاحتلال، سبق له في ملف النفط والغاز أن فعل أمرين: الأول أنه تقدّم بمشروع للترسيم ينطلق من الخط 23، لكنه يحرم لبنان من قرابة نصف البلوك 8 وثلث البلوك 9 إضافة إلى أنه لا يتضمّن المدى الواقع جنوب الخط 23 من حقل قانا بالمطلق، وعندها رسم خريطته ورماها على طاولة المسؤولين في لبنان ومضى، قائلاً هذا آخر الحلول الممكنة إما أن تقبلوها أو تنتهي المفاوضات وعليكم أن تنتظروا سنوات طويلة لاستئنافها، وأنتم عاجزون عن البدء بالعمل في البحر بالمطلق، لأن الشركات لن تأتي للعمل في أي بقعة من بحركم دون إنهاء الترسيم الجنوبي، متذرعاً بأن رأس المال جبان ويريد ضمانات للقيام بالاستثمار.
الأمر الثاني ما قاله علناً تسويقاً لمشروعه للترسيم، بأن على لبنان الذي لا يملك شيئاً أن يقبل بما يُعرَض عليه، وأنه لو قبل منذ عشر سنوات بما عرض عليه، والمقصود خط سلفه فريديريك هوف الذي منح كيان الاحتلال 45% من المساحة بين الخطين 1 و23، لكان الآن يستخرج النفط والغاز، وهوكشتاين يعلم أنه يكذب لأن الشركات العالمية تعتبر أن لا سبب لمخاطرة لديها للاستثمار بسائر حقول النفط والغاز اللبنانية دون أن يكون من بينها الحقل رقم 9 المتيقن من وجود كميات تجارية مجزية فيه. وأضاف هوكشتاين يومها ساخراً من اللبنانيين ومن معادلة قانا وكاريش، ورحل بانتظار أن يرضخ لبنان.
عاد هوكشتاين على عجل عندما فرضت مسيّرات المقاومة التي عارضها رئيس الحكومة ووزير خارجيته ونائب رئيس مجلس النواب آنذاك باعتبارها تسيء لموقع لبنان التفاوضي، وتحرّك مسار التفاوض وصولاً لاتفاق يمنح لبنان كامل المنطقة الاقتصادية بين الخطين 1 و23 وبالتالي كامل البلوكات 8 و9 و10، بالإضافة لكامل حقل قانا، وتعهّد الشركات العالمية بالعمل فوراً في الحقول اللبنانية.
بعيداً عن التحليل اعترف هوكشتاين بأن التحوّل الذي فرض تغيير المعادلات كان الخشية من وقوع حرب تشعل البحر المتوسط وتوقف حركة الملاحة البحرية وتوقف تدفق موارد الطاقة من الخليج إلى أوروبا، وهذه لم تكن لتقع مع الأشباح، بل مع جهة أعلنت جهوزيتها للحرب ان لم تؤخذ مطالب الدولة اللبنانية في الاعتبار. وبدأ كيان الاحتلال استخراج الغاز من حقل كاريش، وهذه الجهة هي مقاومة حزب الله، وهذا يعني أن ضمانة الاتفاق وتنفيذه إذا كانت تعتمد على المصداقية الأميركية فهي ضمانة زائفة، أما إذا كانت تعتمد على قوة المقاومة وقدرتها على التهديد بالحرب إذا مست المصالح اللبنانية، فهي ضمانة مستمرة.
اعتراف ثانٍ لهوكشتاين في حوار لاحق بأنه واثق من أن لا مساس بالاتفاق، لكن ليس كما يقول بعض اللبنانيين بسبب ضمانته، بل بسبب ما وصفه بإدراك الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية بأن مصلحة كل منهما هي بعدم المساس بالاتفاق، وإضافته ودعم حزب الله لموقف الحكومة، والمصلحة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية هي بالتحديد تجنب الحرب. وبالنسبة للحكومة اللبنانية هي ثروات النفط والغاز التي يستحق ضمانها عدم التهديد بالحرب، وهذا معنى إشارته لموقف حزب الله.
اعتراف ثالث لافت لهوكشتاين، وهو يكذب بصورة مثيرة للسخرية بالحديث عن أن حكومته بريئة من منع استفادة لبنان من الغاز المصري والكهرباء الأردنية، لكنه يعترف بأن حكومته أبلغت الحكومة اللبنانية بعدم التفكير بقبول الهبة الإيرانية من الفيول الذي يحتاجه لبنان لتوليد الكهرباء، وربط ذلك بالأوضاع في إيران، تحت عنوان التظاهرات مرة، وزعمه أن لا شيء مجاني من إيران مرة ثانية، بصورة استفزت محاورته من قناة الجزيرة لتقول له، نحن لا نتحدث عن الوضع الداخلي في إيران، لتسأله هل بلغتم لبنان برفضكم حصوله على الهبة الإيرانية، ليجيب إن اللبنانيين يعرفون عواقب ما سيقومون به.
اعترافات هوكشتاين تكشف حقيقة ما يريد لنا البعض تصديقه، وإذا كانوا متمسكين بالحديث عن مصداقية هوكشتاين وإدارته وضماناتهما، فليثبتوا ذلك بالتجرؤ على قبول الهبة الإيرانية فنصدق زعمهم، أو نصدق أنهم أصحاب قرار مستقل من جهة ثانية!