ماذا يعني وصول رئيس من دعاة نزع السلاح؟
ناصر قنديل
– يعلم القاصي والداني استحالة نزع سلاح المقاومة بالقوة، ولو جنّد في سبيل ذلك جيش الولايات المتحدة الأميركية وجيش الاحتلال وجيوش الإرهاب معاً، ولو كان ذلك ممكناً لما انتظر الأميركيون والإسرائيليون، وقد قيّض لهم في منتصف الحرب على سورية، خصوصاً عامي 2013 و2014، أن تسيطر الجماعات التابعة لهم على أكثر من نصف الأراضي السورية، ولم تكن روسيا قد تموضعت في سورية بعد، وكان حزب الله قد انخرط في الحرب وتوسّع انتشاره الى جانب الجيش السوري، وكانت أميركا ودول حلف الأطلسي قد حشدت أساطيلها إيذاناً بالحرب، ولم يكن الأميركي قد وقع الاتفاق النووي مع إيران، وكانت المفاوضات حوله متعثرة، وداعش والنصرة يضربان في العمق اللبناني، حيث حشد سياسي طائفي يتموضع تحت شعار دعم “الثورة في سورية”، وحشد عربي إقليمي موازٍ، من تركيا الى السعودية، وحيث رئيس للجمهورية انقلب على المقاومة وقائد للجيش يشبهه، وكان الانتصار في سورية يعني القضاء على أكثر من سند المقاومة وكشف ظهرها، بل ضرب قوتها المركزية التي كانت تقاتل هناك، وفتح الباب لمسار إقليمي لبناني جديد على حساب المقاومة وتحالفاتها.
– لم يحدث ذلك لأنه مستحيل الحدوث، ولذلك لا يهدف هذا النقاش لدعوة لتجنب خيار يخيف المقاومة ويشكل خطراً عليها. فالمقاومة اليوم أشد قوة مما كانت في تلك الأيام، ويكفي الكلام الأميركي الإسرائيلي عن صواريخها الدقيقة والأجيال الجديدة من طائراتها المسيرة، أي تلك الترسانة المحدثة التي دخلت إلى سلاحها منذ العام 2017 ولا تزال، ليفهم من يجب أن يفهم أن المقاومة فعلاً لا تحتاج حماية ولا غطاء، بل إن رئيساً من جبهة مناوئي المقاومة سيكون نسخة كاريكاتورية من ميشال سليمان بعد التعديل، أي بعد انقلابه على المقاومة وحديثه عن معادلتها الذهبية بأنها معادلة خشبية، يملك أن يكثر الكلام ويفقد القدرة على الحكم، حيث أي حكومة لا تتمثل فيها المقاومة لن يشارك فيها حلفاؤها، ويستحيل عليها أن تحكم، وأي حكومة تشارك فيها المقاومة وحلفاؤها مضطرة لتكون حكومة محايدة تجاه الخلاف حول سلاح المقاومة في أحسن الأحوال، أو حكومة بلا لون ولا طعم ولا رائحة، لا تفيد الرئيس في خطته العدائية للمقاومة.
– الرئيس المناوئ للمقاومة سوف يعني شلل البلد لست سنوات، وترك الأزمات تتفاقم وتأخذ البلد لمزيد من الانهيار، لأن هناك من قرر أن الأولويات التي تعنيه ليست أولويات الناس، بل الأولويات الأميركية، ولو علم سلفاً أنها سوف تستنزف قدرات اللبنانيين وسنواتهم، وهو يعلم أن استحضار ملف بهذا الحجم ووضعه على رأس الأولويات ترف لا يملكه اللبنانيون القادرون على تخفيض سقوف الكارثة التي تطبق على صدورهم، إذا توفرت لهم قيادات عاقلة تنطلق من الوقائع والحقائق، تقول ما قاله بعض الذين لا ينتمون لمعسكر حلفاء المقاومة، مثل الرئيس سعد الحريري أو النائب السابق وليد جنبلاط، عن أن قضية سلاح المقاومة فوق قدرة أي طرف لبناني او رئيس لبناني على حلها، وأن تنظيم العلاقة مع المقاومة على قاعدة التساكن معها، واستثمار عائدات وفوائد قوتها لصالح لبنان، كما قالت تجربة الترسيم، هو المطلوب وهو الممكن. وبالتأكيد كل من سبق وتحدث عن سلاح المقاومة كمشكلة أو أولوية أو ناقش وجودها من موقع العداء يقع خارج هؤلاء، ولا يؤتمن على الرئاسة ولو تموضع انتهازياً على قاعدة خطاب مختلف طلباً للرئاسة، وتجربة ميشال سليمان خير شاهد.
– حفظ الاستقرار اللبناني سياسياً وشعبياً وإعلامياً شرط للانطلاق لمعالجة الأزمة الاقتصادية، وهذا يستدعي تخفيض سقوف الجميع، فليس من يطرح سلاح المقاومة وهو لا يملك نصاباً يتيح مجرد التفكير بجعل أولويته عملية إلا منافق يريد توسل الدعم الخارجي ليكسب الرئاسة ومنافعها وبريقها وهو يعلم أنه فاشل سلفاً، وكذلك ليس من يطرح سقوفاً عالية للمطالب الطائفية أو الإصلاحية وهو يعلم أن لا نصاب يتيح تحقيقها إلا بائع أوهام يريد الحفاظ على قاعدة شعبية متوترة بلا أمل تحقيق أي تقدم في وعوده لها. وكذلك أيضاً ليس من يطرح أحلاماً بسقوف كلامية خطابية رنانة، عن تغيير مدني أو سياسي جذري، وهو يعلم أن الانتخابات قالت بمحدودية تأثير وتأثير خطاب التغيير، وأظهرت أن البلد لا يزال طائفياً حتى النخاع الشوكي، الا مشعوذ مزايد، يريد التلاعب بالحالمين بالتغيير وإضاعة المزيد من العمر والجهد عليهم بلا طائل، لأن السقوف المنخفضة في البلاد التي يحكمها تباعد الرؤى والمواقع والمواقف، وصولا للتساكن وقبول التعايش على قاعدة المشتركات، هو الوحيد الذي يعبّر عن روح المسؤولية، ويجسد الوطنية التي يحتاجها اللبنانيون، ولذلك فإن ما يحتاجه اللبنانيون هو رئيس يجاهر بأنه يستبعد قضية سلاح المقاومة عن الأولويات، لأن الأمر ليس أولوية اللبنانيين المحرومين من الكهرباء والدواء والذين ضاعت ودائعهم وتكويهم الأسعار، ويرعبهم انهيار الليرة أمام الدولار، وأن الجدية في ترجمة الدعوة السيادية هو بخطة تبدأ بتسليح نوعي للجيش من المصادر المستعدّة لذلك وإعادة العمل بالخدمة الإلزامية في الجيش، ووضع استراتيجية دفاعية تجمع مقدرات الدولة والمقاومة، كما قالت تجربة انتزاع مطالب لبنان في ثروات النفط والغاز.