دبوس
قصة مدينتين
لست أعني هنا رائعة تشارلز ديكنز الخالدة، بل قصة مدينتين تفاعلت فيهما الأحداث مؤخراً، هما خيرسون وشرم الشيخ، في ما يتعلق بـ خيرسون، فبغضّ النظر عن تراجع هنا أو إعادة تموضع هناك او انسحاب تكتيكي في مكان آخر، الروس يتصرّفون مصداقاً لقول الشاعر إبراهيم ناجي، واثق الخطوة يمشي ملكاً…
يبدو أنّ ذاكرة الغرب، وفي القلب منهم، الأنجلوساكسون، باتت أوهى من ذاكرة سمكة، هل تذكرون نابليون بونابرت؟ وهل تذكرون أدولف هتلر؟ لقد أطيح بهذين الجبّاران تاريخياً وعسكرياً لسببين، الأول، البراعة العسكرية الروسية، والثاني، الجنرال شتاء، الآن وبعد نابليون وهتلر، يشهر الناتو سيفه ويستجمع قواه في محاولة حمقاء أخرى للنيل من روسيا، ولعلني أضيف الى العبقرية العسكرية الروسية الجينية التي تميّز الروس عن غيرهم وجنرال شتاء عاملين آخرين يواجهان قيادة الناتو الحمقاء، جنرال عمق استراتيجي، وجنرال طاقة…
دعونا نجلس وننتظر ونراقب شوارع برلين وباريس ولندن وروما ومدريد، وكلّ عواصم الناتو، وهي تعجّ بالمتظاهرين، عندها نعلم انّ الحرب قد حُسمت، الجنرال كوتوزوف لم يخض أيّ معركة مع قوات نابليون المتقدّمة، ومع ذلك فلقد اقتحم نابليون روسيا بـ 612 ألف جندي، وخرج منها ومعه 112 ألف جندي فقط لا غير، لقد تكفّل الشتاء والجوع وطول الخطوط اللوجستية بجيش نابليون… أما هتلر، فلقد أدرك الاستراتيجيون فوراً ومع بدء عملية بارباروسا ضدّ روسيا أنّ الرجل قرّر الإنتحار.
أما في ما يتعلق بـ شرم الشيخ، فهي حكاية حقوق الإنسان، فما أن جلس بايدن بجوار السيسي خلال مؤتمر المناخ، حتى بادره بالحديث عن حقوق الإنسان في مصر، نكتة، أليس كذلك؟
فصحيح أنّ أجداد بايدن قتلوا 114 مليون من السكان الأصليين، وصحيح انّ أجداده قتلوا أيضاً 35 مليوناً من الأفارقة خلال مراحل العبودية واستجلاب العبيد عنوة من أفريقيا، وصحيح انّ بايدن وجيله قتلوا مليوني كوري، وخمسة ملايين ڤييتنامي، ومليوني عراقي، ومليون أفغاني، كلّ هذا صحيح، ولكن الرجل يحبّذ ان يتحدث عن حقوق الإنسان المنتهكة من قبل نظام السيسي!
لا استطيع أن أفهم هذه الهزلية والتي تنضح بكمّ هائل من اللامعقول، سوى انّ الأنجلوساكسون أعطوا لأنفسهم الحقّ الحصري في القتل، ولا يحقّ لأحد غيرهم ممارسة القتل الفردي أو الجماعي بدون إذن مسبق من سيّد القتل والإبادة الجماعية الأنجلوساكسوني، وفي حالة حدوث ذلك فإنك تمارس عملاً شائناً مستهجناً ينتهك حقوق الإنسان، ويستحق الإدانة والإستنكار…
والدليل على ذلك انّ محمد بن سلمان عوقب بالعزلة حينما قطّع خاشقجي إرباً إرباً، ولم يأخذ إذناً بذلك، أما قتل عشرات الآلاف من أطفال ونساء ورجال اليمن، فلا بأس في ذلك، لأنه استأذن سيده القابع في البيت الأبيض قبل أن يقدِم على جرائمه، ليس هذا فحسب، بل تمّ إمداده بكلّ أدوات القتل حتى يؤدّي مهمته على أكمل وجه.
سميح التايه