ندخل العقد الأخير من المئوية الأولى بخطى واثقة من تحقيق النصر
} سماح مهدي*
اليوم، يدخل الحزب السوري القومي الاجتماعي العقد الأخير من المئوية الأولى من عمر حركة كانت ولا تزال وستبقى البرهان القاطع على وجود ونمو الوعي القومي في نفوس أبناء الأمة السورية، وهو الذي يميّز الأمم الحية عن سواها.
السادس عشر من تشرين الثاني ـ عيد تأسيس الحزب، هو واحدة من المناسبات القومية التي نؤكد فيها على أنّ في بلادنا جماعة حية تخفق قلوبها بحبّ وطنها، وتشتغل عقولها في قضية أمتها الممثلة في مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الجامعة الموحدة لكلّ أبناء الوطن.
لا يخفى على أحد أنّ الحزب تأسّس والبلاد في حالة يأس وخوف. الجاسوسية منتشرة في كلّ مكان، والخيانة كامنة عند كلّ منعطف. الجيوش الأجنبية تحتلّ المواقع الاستراتيجية، ومكاتب الاستخبارات تبث عيونها في جميع أوساط الشعب. الأفكار قلقة، والناس في بلبلة تمنع التفاهم. النفوس في ظلمة، والإنسان لا يعرف الماضي، ولا يفهم الحاضر، ولا يدرك المستقبل. ولا يشارك غيره في فكره الصحيح، إذا كان له فكر. الاجتماعات محظورة، وتأليف الأحزاب جريمة، وخوف السجون والأحكام والرصاص يقطع طريق الأمل. هذا هو باختصار وصف الحالة التي نشأ فيها الحزب السوري القومي الاجتماعي.
وكأنّ الحال منذ تسعين عاماً أشبه بالحال اليوم :
احتلالات يهودية في جنوبنا السوري ـ فلسطين والجولان وأجزاء من لبنان، وتركية في الشمال وأميركية كذلك. واجهناها بالمقاومة بكافة أشكالها. وتمكنا من قهر تلك الاحتلالات وسنستمرّ حتى إنجاز التحرير التام.
حصار اقتصادي يستهدف أمتنا بكلّ كياناتها، فدعوناها إلى تشكيل مجلس تعاون مشرقي يكون نقطة انطلاق لتكامل مقدرات أمتنا السورية في مواجهة التحديات التي تحيط بها. وحسناً فعل وزراء الزراعة في عدد من دول الأمة من خلال اجتماعاتهم التي نتأمّل فيها خيراً لكلّ كيانات الهلال السوري الخصيب.
ولأنه ركن أساس في جبهة المقاومة، كانت للبنان حصته في الاستهداف المباشر عبر ضرب نظامه المصرفي واستهداف مدّخرات المواطنين على مرّ السنوات، وعبر شلّ الحالة الاقتصادية، وجعل الدواء سلعة تخصّ ذوي الدخل المرتفع، وتحويل الحقّ في الاستشفاء والعلم إلى حالة ترفية لا تعني ذوي الدخل المحدود.
واشتدّت الأزمة بالتركيز على ضرب مؤسّسات الدولة اللبنانية، وإفراغها من مضمونها. حتى وصل الأمر إلى مقام رئاسة الجمهورية اللبنانية. وكأنه مكتوب على لبنان ألا يسلم رئيس رئيساً، بل أن يسلّم الرئيس فراغاً لا يخدم إلا أعداء البلاد.
إننا في الحزب السوري القومي الاجتماعي حرصنا دائماً على تعزيز دور الدولة حيثما حللنا. وعلى تثبيت مؤسّساتها وأركانها لتقوم بواجباتها تجاه جميع مواطنيها بصفتها الراعية لكلّ أبنائها، والمسؤولة عنهم دونما تفرقة بينهم.
هذه الدولة لن تكون قوية بما فيه الكفاية ما لم تقم علاقات طبيعية مع الشام، التي هي العمق القومي والاستراتيجي للبنان. علاقات رسمية واضحة وعلنية تسهم في تحقيق مصلحة الأمة عبر التكامل بين الدولتين. وتساعد في عودة أهلنا النازحين إلى مدنهم وقراهم بعد تطهيرها من دنس الإرهاب والاحتلال، وعودة الأمن والخدمات إليها بفضل تضحيات جيشنا القومي ـ جيش تشرين الباسل مدعوماً برفقائنا الأبطال في نسور الزوبعة وكافة القوى الحليفة.
الدولة ذاتها تزداد قوة عندما تتعاطى مع أبناء شعبنا الفلسطيني المقيمين في لبنان بأسلوب يحفظ لهم كرامتهم، ويؤمّن لهم حياة كريمة لائقة حتى إنجاز حق العودة المقدس إلى كلّ فلسطين التي نوجّه لمقاوميها وماجداتها أعظم التحيات على ما يبتدعونه كلّ يوم من وسائل وآليات المقاومة جعلت كيان عصابات الاحتلال مؤمناً بحتمية زواله عن أرضنا القومية في وقت قريب.
أتحدث عن دولة تفتقد واحداً من مسلمات الاستمرار الطبيعية. فإنتاج الكهرباء فيها لامس عتبة الصفر في ظلّ استقالة واضحة من مسؤولية تأمين عصب أساسي من أعصاب الحياة العامة، ألا وهو التيار الكهربائي. وهنا لا بدّ لنا من توجيه شكر وتقدير عاليين إلى الجناح الشرقي لأمتنا السورية، إلى أرض الرافدين، إلى عراقنا الأبي على استمراره في دعم لبنان بالمحروقات على الرغم من كلّ الظروف الاستثائية التي يمرّ بها.
والتحية موصولة إلى أهلنا في أرض العزم ـ في أردننا، الذين ما انفكوا عن انتمائهم وهويتهم القوميين. ويصرّون على المضيّ قدماً في مواجهة كلّ أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني بما فيها صفقات الغاز والمياه.
وبدرّتنا على شاطئ الخليج، بلؤلؤة الأمة السورية ـ الكويت نفتخر بما تثبته كلّ يوم أكثر من اليوم الذي سبقه من أنها الصخرة التي تتحطم عندها كلّ محاولات اختراق صمود الأمة في مواجهة الغزو اليهودي.
إنّ هذه النهضة التي بعثها مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي الشهيد أنطون سعاده قامت بالنفوس العظيمة، لا بالعدد العظيم. وبالعقيدة الصحيحة والإيمان الراسخ. وانتصار هذه النهضة يكون بوحدة العقيدة، وحدة الشعب، وحدة القيادة، وحدة العمل، ووحدة الجهاد.
والجهاد ليس بالخطب والقصائد والمقالات فقط. ليس بالقلب وحده، ولا باللسان وحده، ولا بالقلم وحده، ولا باليد وحدها، بل بجميع ذلك. جهادنا مستمر منذ التأسيس وسيستمرّ، تعرّضنا فيه للموت قتلاً مراراً، وللقتل اغتيالاً تكراراً، فما اضطربت نواظرنا ولا ارتجفت عضلاتنا. سرنا ونسير في جهادنا نقول ونعمل وننظم ونقاتل واثقين بالنصر.
وأختم بالقول، إنّ السوريين القوميين الاجتماعيين لهم حقوق واحدة، وعليهم واجبات واحدة حيثما وجدوا. وهذه الواجبات هي ذاتها على من هم في مناطق عبر الحدود كذلك على الصامدين في الوطن. فإلى الصراع في سبيل غايتنا العظمى لأنّ مصير الأمة السورية مربوط بخفقات قلوبنا ودوران دمائنا ومتانة إيماننا ونقاء عقيدتنا.
*ناموس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي