«ديمونا»… قنبلة الشرق الأوسط الموقوتة
} بتول قصير
جرياً على عادة «إسرائيل» في جميع الأمور الحساسة، فهي غالباً ما تحتفظ بجانب عالٍ من السرية، ووسط هالة من الغموض والحذر لناحية ما تمتلكه من قدرات، خاصة انها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكنها ترفض تأكيد أو نفي امتلاكها لأسلحة نووية.
فقد دأب الكيان الصهيوني منذ قيام دولته المزعومة، على انتهاج منطق الغموض والتضليل بكلّ ما يكتنفه من مفردات ومصطلحات زئبقية في ما يتعلق بمسألة امتلاكه للسلاح النووي، فهو يتخذ من سياسة التخويف والإرهاب أسلوباً ثابتاً له، محاولاً تحقيق ما يدّعيه ردعاً ضرورياً ملحاً.
إلا انّ مخططات كيان العدو الاستراتيجية لامتلاك السلاح النووي كان سرياً ودون علم حليفته الأولى الولايات المتحدة الأميركية، حيث كشفت بعض وثائق الأمن القومي الأميركي في مايو/آيار 2015 أن «ريتشارد كيري» كان دائمًا يُشير إلى أنّ المفاعل هو مصنع للنسيج فقط، حتى أصبح حقيقة ثابتة، عندما اكتشفت الولايات المتحدة أمر المَفاعل للمرة الأولى عام 1958، يوم أظهرت رحلات طائرات التجسّس من طراز يو 2 وجود ما يثير الريبة في تلك المنطقة، وهو ما تحوّل إلى موضوع مناقشات بين الرئيس الأميركي ورئيس وزراء «إسرائيل» الذي لجأ إلى أساليب المماطلة والخداع، للحفاظ على صداقة الولايات المتحدة، بدايةً، ومن أجل استخدام الخيار النووي كورقة مساومة لصالح إمدادات الأسلحة التقليدية الأميركية لاحقاً.
وعليه فإنّ مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، كان حجر الأساس في النشاط النووي «الإسرائيلي» واستخدم منذ إنشائه لتخصيب اليورانيوم المستخدم في الأسلحة النووية. إلا انه أصبح اليوم يشكل خطراً كبيراً على المنطقة بأسرها. فقد أشارت تقارير هندسية وتقنية إلى أنّ البنية المعدنية التي تغلف مفاعل ديمونا تآكلتْ بسب مستوى الإشعاعات العالي، بحيث يعاني مبنى المفاعل من أضرار جسيمة بسبب الإشعاع النيتروني، الذي يُنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى، ما يجعله قابلاً للتصدع والانهيار.
والخطر المحدق حقيقةً يكمن في وجود مفاعل ديمونا في منطقة جغرافية صغيرة المساحة مثل فلسطين (27027 كم2) إذ يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر وقد تُدمّر المنطقة برمَّتها. إضافة الى مخاطر كارثية متعددة تدور في فلك المفاعل، كلّ منها قابل ليكون بليَّة بحدّ ذاته، يتربع على رأسها النفايات المشعَّة الناتجة عن تشغيل المفاعل، وهو ما يُلزم الدول المحيطة بضرورة التصدّي لوجوده وعلى رأسها السلطة الفلسطينية ومصر والأردن. خاصة انّ الأقمار الاصطناعية أشارت من خلال رصدها للمنطقة، دلالات على حدوث تسرّب إشعاعات كبير، وفضح غياب وتضاؤل المساحات الخضراء فيها.
أضف إلى ذلك فإنّ الأراضي المحتلة ترزح تحت خطر بيئي يعدّ بمثابة الكارثة الكبرى، فمنذ فترة طويلة و»إسرائيل» تسعى لوضع برنامج طويل الأمد لمحاربة المواطن الفلسطيني بشتى الوسائل والقضاء عليه. ويأتي موضوع البيئة كأحد أهمّ المواضيع المركزية التي أعدّتها «إسرائيل» في هذا السياق، وذلك لارتباط البيئة الوثيق بقيمة الإنسان والتي وضعوها هدفاً نصب أعينهم، حيث أشارت المعلومات الى وجود مواقع تحوي مكبات نووية أو كيميائية في بعض المناطق المحيطة بقرى وبلدات محافظة الخليل، مثل مكبّ صحراء بني نعيم، والذي أكد بدو المنطقة أنّ «الإسرائيليين» أغلقوا أحد كهوفه الكبيرة بالإسمنت، بعد أن دفنوا مواد غريبة فيه، وموّهوا بعدئذ لون الإسمنت بلون الصخر وثبَّتوا فيه قضباناً حديدية على شكل براغي، وذلك لأنّ بلدات الخليل هي الأكثر قرباً من المفاعل النووي «الإسرائيلي»، ولذلك تحظى بنصيب الأسد من إصابات السرطان والتشوّهات الخلقية في المواليد.
والأمر المثير للريبة ويستدعي الهلع، هو انّ وجود المفاعل النووي ديمونا في صحراء النقب التي تضمّ أطرافها وخاصة جنوب الضفة المحتلة عدداً من السجون «الإسرائيلية» كـ نفحة وإيشل وريمون والنقب، يجعل من حياة الأسرى كابوساً نتيجة لزيادة نسبة الإشعاعات الصادرة من المفاعل. وفي هذا السياق لا يُفهم إصرار الاحتلال على إبقاء الأسرى في تلك السجون النائية في الوقت الذي تملك فيه بديلاً، ولا يمكن وضعها إلا في إطار التصفية الجماعية وسياسة الإبادة التي يُنفذها الاحتلال بحق الفلسطينيين منذ عام 1948، فقط لإنجاح مخططاته في السيطرة الكاملة ونفي الوجود الفلسطيني أبداً.
ويبدو انّ مفاعل ديمونا قد دخل في مرحلة خطيرة جداً قد تتسبّب في كارثة بالمنطقة والعالم، فهناك من البينات ما يكفي لأن تقف دول المنطقة بقوة في وجه دولة الاحتلال وتثير الرأي العام العربي والعالمي، وتنظم حملات محلية ودولية للتعريف بما يجري قبل أن تقع الفأس في الرأس.
وطبقاً لتوقعات الخبراء فإنه في حال تعرّض مفاعل ديمونا الى حادث فإنّ ثلاثة ملايين شخص سيتوفون كحدّ أدنى في فلسطين المحتلة والدول المحيطة مثل الأردن ومصر وسورية ولبنان، إضافة الى إصابة سبعة عشر مليون آخرين بشكل غير مباشر تحت تأثير الإشعاعات الناجمة عن تسرّب غازات النيوترون واليورانيوم والبلوتونيوم.
وإذا كان الكيان الصهيوني قد ارتبط منذ تأسيسه على التركيز في بناء منظومة كاملة من أسلحة الدمار الشامل غير آبه بما يشكله استخدامها من خطر دائم على أمتنا حاضراً ومستقبلاً، ألا يشكل ذلك حافزاً لهذه الأمة بنشر ثقافة الوقاية من هذه الأسلحة المخيفة على الأمة، كما ألا يفرض ذلك أن تقف الأمة وقفة جادة لمواجهة هذا الشيطان النووي الذي انطلق من قمقمه مهدّداً مستقبل أطفالنا وأحفادنا؟