الحرب الروسية الرابعة واستراتيجية «النبض الكهرومغنطيسي»
} نمر أبي ديب
قد يكون التداول العالمي في الخيارات النووية هروباً استراتيجياً في «السياسة العسكرية» من مسار تصادمي تقليدي ذات مقدرات كارثية إلى مساحات استراتيجية فرضتها فكرة «الردع البشرية»، القائمة في الأساس على بصمات سلبية، دمغتها حلقات الجنون العالمية المتمثلة بقنبلة هيروشيما وأيضاً ناكازاكي، على صفحات الذاكرة الوجودية، قد يكون التداول اليوم هروباً استثنائياً إلى مساحات احتوائية بمفهوم السياسات الاحترازية التي فقدت بمعايير الربح والخسارة كمّاً هائلاً من الامتيازات الأساسية، والجوانب الاستراتيجية التي توفر فيها الحدّ الأدنى السياسي/ العسكري من مقومات الضبط الميداني والفرملة، لاندفاعات الموقف العالمي الغير محكوم بمدى عملي أو سقف، في مراحل استثنائية، ووجودية يتخللها انهيار اقتصادي مرفق بمتطلبات دولية وحاجة أوروبية لطاقة استهلاكية عملت روسيا الاتحادية على توفيرها لسنوات طويلة.
بغضّ النظر عن أبعاد المواقف الدولية في هذه المرحلة وتأثير الدوافع الاستثنائية النابعة من حالات وجودية لا تحتمل بالنسبة لكثيرين على الساحة الدولية، والعالمية تحديداً «مجرد المراوحة» في «صراع القمة» الذي دخلته الحرب الروسية الأوكرانية بأبعادها السياسية، بنتائجها الاستراتيجية، ومؤثراتها الأوروبية من بابه العريض والكبير.
بغضّ النظر أيضاً عن حجم الوعي العالمي المدرك لأبعاد المشهد وخطورة التداول بالخيارات النووية، ما يحدث اليوم يُحاكي في عمقه الاستراتيجي المنطلقات الفكرية للذات البشرية والأسس القادرة على بث وتعميم حالات استيعابية نابعة من تفهّم ضمني، وتقبّل لا إرادي لفكرة توجيه «ضربة نووية»، وحتى ضربات تدخل من خلالها البشرية مرحلة جديدة من التصادم الوجودي «ما فوق الاستراتيجي» المُدَمّر في طبيعته العدوانية «لبنية الفكر العالمي الاستعماري» الذي نشأ في مراحل سابقة عجزت فيها السياسات العسكرية الفاقدة للقدرات التقنية من جهة والمقدرات البشرية من جهة ثانية عن حسم مُجمَل المسارات العسكرية الملتهبة في حينه، ونخصّ في الذكر حرب فيتنام التي دخل من خلالها النظام العالمي بالرغم من حجم التكلفة البشرية آنذاك زمن «التسوية»، القائم على مبدأ «الانتصار للجميع» بنسب متفاوتة، ومعايير فرضتها توازنات القوة السياسية المترتبة على نتائج الميادين المشتعلة في مُجمَل ساحات المواجهة العالمية الاقليمية منها وحتى الدولية.
ما يجري اليوم على الساحة الأوكرانية قد يساهم إلى حدّ كبير في ترتيب الاولويات العالمية من جديد وفق موازين نووية فرضها عامل التداول بالخيارات النووية في الدرجة الأولى، ومحدودية الخيارات الاستراتيجية في هذه المرحلة انطلاقاً من مفصلية التصادم الروسي الأوكراني وافتقاد القوى الأساسية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، لمسار عالمي آمن ضامن على مستوى «استراتيجية الخيارات الوجودية» فرضيات استثنائية ذات أبعاد احتوائية لحلقات الجنون العالمي، لحظة انسداد الأفق، ودخول القوى الكبرى نفق الخيارات الصعبة الكارثية والمدمّرة.
قد يكون الكلام الصادر عن «الخارجية الروسية» التي أعلنت من خلاله أنّ (الأقمار الاصطناعية الأميركية قد تصبح في المراحل المقبلة أهدافاً مشروعة بالنسبة لروسيا الاتحادية إن استخدمت بالنزاع في أوكرانيا)، استكمال سياسي لمتدرّجات التداول العالمي بالخيارات الصعبة ما أكَّد على بلوغ المدى التصعيدي للدول الكبرى والأساسية مستويات غير مسبوقة، شكلت على مستوى المواجهات المرتقبة «أرضية تصادمية» لمجمل الحروب المقبلة التي دخلت بأحكام الاستراتيجيات العسكرية الحديثة منتدى المواجهات المصيرية الغير ملزمة بسقف أو أبعاد جغرافية، سياسية كانت أم عسكرية تتطلب فيها الترجمات التفصيلية لموازين القوى الجديدة عودة قصرية إلى ما قبل تحوّل «فيتنام» إلى زمن «الخسارة والربح الكامل» في السياسة والاقتصاد والعسكر.
في سياق متصل أتى تأكيد وزير الخارجية الأميركي «أنتوني بلينكن» على (أنّ الآن هي اللحظة التي تنتهي فيها حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأنّ هناك منافسة جدية لتحديد نظام عالمي جديد)، بمثابة عزف أميركي متقطع على وتر الاستراتيجيات الروسية، القائمة اليوم على سياسة تثبيت المتغيّرات الدولية، حسم المواجهات الاستثنائية السياسية منها العسكرية وحتى النفطية في مراحل شهدت انتهاء واضح للصلاحية الأميركية، وأيضاً للحضور الفاعل في جبهات اقليمة/ دولية عديدة، إضافة إلى تمتين وتدعيم المداميك الأولى والأساسية في بناء النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب والأنظمة المالية.
ما يحدث اليوم قائماً على استراتيجية الحسم العسكري في مجمل جبهات المواجهة العالمية والأوكرانية تحديداً التي فقدت مع بلوغ الموقف العالمي مستويات متقدّمة من التداول النووي المرفق بـ حسابات روسية وتدريبات نووية دفاعية كشف عنها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إضافة إلى جملة المؤشرات الدولية والعلامات الفارقة في السياسة العسكرية وحتى النفطية أمكانيات الدخول في تسويات عالمية عمادها، الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا الاتحادية.
انطلاقاً مما تقدّم كتبت روسيا بحبر التداول النووي المستمرّ، وتطورات المشهد الأوكراني، الفصل الأول في مسار «الحرب الوجودية الرابعة»، التي عبرت من خلالها التوقعات العسكرية، وحتى الافتراضات الميدانية، نوافذ عسكرية استثنائية عكست أمكانية توجيه روسيا الاتحادية ضربات تكتيكية بـ»النبض الكهرومغناطيسي» الذي لا يمكن اعتباره في حسابات «العقيدة العسكرية الروسية» حرباً نووية بمعنى الكلمة.
البشرية اليوم على مفترق وجودي، وحرب روسيا الرابعة واقع استراتيجي تفرضه «حسابات السياسة العالمية» من جهة ومُجمل المعطيات المتوفرة، إضافة للمؤشرات الحالية، فهل من مخرج…؟