واشنطن بعد نصف الترسيم مع لبنان: نصف انسحاب من سورية ونصف اتفاق مع إيران
ناصر قنديل
– يبدو المشهد في سورية وإيران، كما كان عشية اتفاق تقاسم حقول الغاز في البحر المتوسط بين لبنان وكيان الاحتلال، نصف حرب قابلة للاشتعال والتحول حرباً كاملة. فما تشهده إيران بغض النظر عن حجم الداخلي والخارجي فيه والنسب بينهما، لا يختلف اثنان على حجم اليد الخارجية فيه سواء لجهة التنظيم والتمويل وحملات الدعم والقدرات الإعلامية والاستخبارية التي تجعل من المشهد حرباً أميركية بالوكالة، أو لجهة جعله نصف حرب على الأقل. وما يجري في سورية، خصوصاً في حقول النفط والغاز شرق الفرات، هو نصف حرب تخوضها سورية بدعم إيران وقوى محور المقاومة بوجه القوات الأميركيّة ولكن تحت سقف منخفض، قابل للارتفاع عندما تدعو الحاجة، وتفيد المتابعة الإعلاميّة لما ينشر في وسائل الإعلام الأميركية، بأن ملفات التفاوض الأميركي مع سورية وإيران ليست بعيدة عن مسار نصف حرب هنا ونصف حرب هناك، كما كان التفاوض مفتوحاً حول حقول النفط والغاز قبل التوصل إلى اتفاق على نصف ترسيم في البحر وثرواته.
– اختبر الأميركيون في تجربة نصف الترسيم أمران، الأول كيفيّة التعامل مع أفضليّة تفادي الحرب ومخاطر خروج الأمور عن السيطرة وإمكانيات الاحتواء، ودفع الفدية اللازمة لتفادي البديل الأسوأ عندما لا يكون تحقيق الهدف الأصلي ممكناً بفعل موازين القوى، والثاني كيفية تفادي دفع الثمن الكامل للتوصل إلى اتفاق كامل يلبي شروط الخصم عبر البحث عن نصف اتفاق يراعي الخطوط الحمراء للخصم، لكنه لا يلبي كل تطلعاته، ويشكل هدنة تسحب فتيل الانفجار وصواعق الخطر. وهذا ما حدث في حقول النفط والغاز عندما واجه الأميركيون مشكلة رفض لبنان الخط الإسرائيلي في المنطقة الواقعة بين الشاطئ ونقطة انطلاق الحقول النفطية وتمسك الإسرائيليون للاعتبارات الأمنية بخطهم، فقبل الأميركيون إبقاء الأمر على حاله دون اتفاق، ومثله عندما تمسك لبنان بحقل قانا كاملا، فابتكروا منح “إسرائيل” شراكة خلفية عبر شركة توتال كشركة مشغلة دون المساس بحصة لبنان.
– في سورية يدرك الأميركيون أن البيئة الاستراتيجية لوجود قواتهم تزداد سوءاً، فالعلاقة الأميركية الروسية لا تشكل عامل استقرار، والعلاقة الأميركية التركية مثلها، والعلاقة الأميركية الإيرانية والأميركية السورية أشد سوءاً. ومبرر البقاء ضمن مشروع تنشيط قوى الحرب على الدولة السورية فقد قواه وإمكانياته الواقعية وتحالفاته، والعمليات التي تستهدف القوات الأميركية في سورية تتصاعد، واذا لم تنزف الدماء الأميركية بعد فلا شيء يضمن عدم حدوث ذلك في أي يوم، بحيث صار البقاء كل يوم إضافي خسارة بلا مقابل، كما قال كريستوفر الخوي المستشار السابق للقوات الأميركية في سورية والعراق؛ بينما الانخراط في “تفاوض ودي”، كما وصفه في مقالته في مجلة الفورين أفيرز المعروفة بقربها من صناعة القرار، يمكن أن يفتح الباب لنصف اتفاق يتفادى الأسوأ، دون أن يدفع الثمن الأعلى، ونصف الاتفاق المقترح يتضمن جدولاً زمنياً للانسحاب وتخفيف العقوبات، مقابل سقف منخفض الطلبات لإقلاع عملية سياسية سورية تكون الجماعات الكردية المدعومة أميركياً جزءاً منها.
– في إيران يدرك الأميركيون أن نصف الحرب التي يقومون برعايتها ويديرون تمويلها ويتولّون تشغيل ودعم الجماعات التي تقودها، أقل من أن تؤدي الى تغيير توازن القوى الداخلي في إيران لفتح الباب لتغيير جوهري في النظام، أو لدفع النظام لتغيير سياساته، ولذلك تشهد وسائل الإعلام ومراكز الدراسات الأميركية حديثاً عن حلّ مبتكر للخروج من الانسداد في الاتفاق النووي، الذي لا تحتمل إدارة الرئيس جو بايدن العودة الكاملة اليه بشروط إيران، لكنها لا تحتمل أكثر بلوغ إيران العتبة النووية الحرجة التي تقترب بسرعة، ونصف الاتفاق يقوم على تجميد التصعيد في الملف النووي الإيراني مقابل الإفراج التدريجيّ عن الأموال الأميركيّة المجمّدة.
– يبقى السؤال هو عن حدود نصف الاتفاق الذي يمكن لإيران قبوله، خصوصاً إذا لم يتضمن حقها بالعودة الكاملة إلى أسواق العالم، فيما لا تبدو سورية جاهزة للقبول، ومعادلتها هي أن لا وجود لنصف احتلال.