«مخلب السيف»
} بتول قصير
على الرغم من نفي «حزب العمال الكردستاني» و»وحدات حماية الشعب الكردية» أيّ مسؤولية لهما عن التفجير الذي استهدف شارعاً مكتظّاً في مدينة إسطنبول في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، والذي أسفر عن سقوط 6 قتلى وأكثر من 80 جريحاً. جاء خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاسماً بوجوب الاقتصاص العسكري السريع من القتلة، قائلاً: «سنقتلعهم جميعاً قريباً بالدبابات والمدفعية والجنود ان شاء الله».
قبل حصول تفجير شارع الاستقلال، لجأت تركيا إلى تكثيف استهدافها عبر الطائرات المسيّرة لمواقع انتشار «قوات سورية الديمقراطية ـ قسد»، التي تعدّ أحد أفرع «حزب العمال الكردستاني» في سورية، على طول خطوط التماس بين مواقع سيطرتها شمال سورية، ومناطق سيطرة الأكراد، وصولاً إلى الحسكة في الشمال الشرقي، وذلك بعد فشل مساعيها للحصول على ضوء أخضر من أميركا من جهة، وروسيا وإيران من جهة اخرى، لشنّ هجوم عسكري برّي تستهدف من خلاله قضْم مناطق جديدة في مدينتي منبج وعين العرب شمال حلب.
وتهدف أنقرة من هذه العملية التي أطلقت عليها اسم «مخلب السيف» لثلاث نقاط مهمة وهي «ضمان أمن حدود البلاد، ومنع استهداف الشعب التركي والقوات المسلّحة والأمنية التركية، واجتثاث الإرهاب من جذوره»، ذاكرة «حزب العمال الكردستاني» بكلّ مسمّياته. وعليه فإنّ الوضع أصبح مؤاتياً لأردوغان بأن يخوض مغامرة جدية، في الاتجاه السوري، تصل إلى محاولة احتلال حلب.
نجاح هذه العملية سيصبّ في مصلحة أردوغان بلا شك، بحيث سترتفع حظوظه عند الشعب التركي مجدّداً وسيغفرون له، هم الذين لم يفوّتوا فرصة لانتقاده مما سيدفعهم للتصويت له مرة أخرى، لذا فإنّ خيار التصعيد في سورية بسبب الهجوم الإرهابي في اسطنبول شكل فرصة ذهبية لأردوغان سيسعى جاهداً لاقتناصها.
ولأنّ القوات الكردية شكلت رأس حربة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية في سورية، بدعم مباشر من تحالف دولي بقيادة واشنطن، حاولت الأخيرة الضغط لوقف فوري للتصعيد في شمال سورية، عازية قلقها الى انّ العملية ستزعزع استقرار المنطقة وستعرّض المدنيين والأفراد الأميركيين للخطر، إلا انّ تركيا قرّرت الانخراط سريعاً في هذه العملية الميدانية، لأنها تريد الاستفادة من انشغال واشنطن بانتخاباتها الداخلية من جهة، وبالوضع في أوكرانيا وأوروبا من جهة أخرى.
وحتى إذا كانت روسيا أيضاً لا تحبّذ التصعيد التركي شمالي سورية، فإنّ أنقرة تحركت في وقت مناسب ويخدم مصلحتها ضمن خطة معدة مسبقاً. كما أنّ موسكو لا يزعجها ضمنياً استهداف تركيا للأكراد في هذه اللحظة، لأنّ هذا الاستهداف سيزعج الأميركيين، الذين يضيّقون كثيراً اليوم على الروس، بالعقوبات من جهة، وبتزويد الأوكرانيين بالسلاح لمواجهة الروس من جهة ثانية.
من ناحية أخرى، فإنّ الجيش السوري لن يقف على الحياد في ما يخصّ عملية «مخلب السيف» التركية، وعليه فمن المتوقع ان يقوم باستهداف مواقع حيوية تستخدمها أو تحميها تركيا في محافظة إدلب وريف حلب على وجه الخصوص، وأن يُصعّد الطيران السوري والروسيّ من هجماته على مواقع المجموعات الإرهابية التي تعمل تحت إمرة أنقرة في تلك المناطق، إذ تشير المعطيات إلى أنّ «قسد» سوف لن تقوى على الضربات المتواصلة في الشرق السوريّ، وهذا ما سيؤدّي بالكرد إلى الجلوس إلى الطاولات السورية والروسيّة، والبدء بتسليم مواقعهم.
وعليه فإنّ العملية التركية ضدّ الأكراد في الشرق السوري سيتمخض عنه تقارب يتجه إلى «التطبيع»، ما سيفرض واقعاً جديداً على المناطق الحدودية بين البلدين، قوامه التعاون الأمني لا التناحر. فأنقرة ودمشق تعارضان بشكل أساسي الإدارة الذاتية الكردية، وكلاهما تصنفان وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سورية الديمقراطية، منظمة «إرهابية» وتعتبرانها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يشنّ تمرّداً ضدّها منذ عقود. كما وتعارض روسيا، الداعم الرئيسي لدمشق، حتى الآن هجوماً برياً تركياً جديداً في سورية، وهي تحاول جاهدةً للضغط على أنقرة ودمشق للجلوس معاً، وعليه فتلك «المصالحة» المتوقعة أصبحت أمراً واقعاً «عاجلاً أم آجلاً»، وبالتالي ستقود البلدين اللذين تجمعهما قضايا مشتركة أو متشابكة كالمياه ومراقبة الحدود وحقوق العبور والتجارة»، إلى مزيد من الاجتماعات والتنسيقات المشتركة، لحلّ «الكثير من الخلافات»، بما يتجاوز «خصومتهما».