تركيا والشرق السوري… أطماع واحتلال ومعادلات استراتيجية
} د. حسن مرهج
منذ بداية الحرب على سورية، كان لـ تركيا الدور الأكبر في فصول هذه الحرب، ووفق متابعي يوميات الملف السوري، باتت تركيا رأس حربة في المشروع الأميركي ضد سورية، دليل ذلك، فقد نفذت تركيا 4 عمليات عسكرية على طول حدودها مع سورية بين عامي 2016 و2020، وفي 26 مايو/ أيار الماضي، وأكد مجلس الأمن القومي التركي على إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان الاستعداد لعملية جديدة في شمال سورية من أجل «تطهير الحدود الجنوبية من خطر الإرهاب».
حينها لم تتمّ العملية جراء المناخ الإقليمي والدولي المرتبك جراء الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنّ أردوغان، لديه نوايا توسعية في شمال شرق سورية، واليوم يعود من جديد، حاملاً لواء عمل عسكري جديد في شرق سورية، الأمر الذي يعكس مدى الرغبات التركية، بتحويل شمال شرق سورية، إلى مشروع تركي، يخدم فقط سياسات أردوغان في الداخل التركي وفي خارجه.
ربطاً بما سبق، فإنّ مسرحية التفجير التي حدثت في ميدان تقسيم في اسطنبول، إنما هي ذريعة يتكئ عليها أردوغان، ليطلق عمليته العسكرية ضدّ «قوات سورية الديمقراطية»، لكن هناك تساؤلات حول أسباب إطلاق تركيا مثل هذه العملية الجديدة الآن؟ خاصة أنّ أنقرة تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي شمالي سورية، لكن محاولاتها السابقة لإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود التركية السورية بأكملها باءت بالفشل حتى الآن. وتسيطر القوات التركية ووكلاؤها على حوالي 70 كيلومتراً شرق وغرب مدينة عين العرب، فضلاً عن جزء أكبر من الأراضي المحيطة بمدينة القامشلي، وصولاً إلى نهر دجلة في الشرق.
روسيا بدورها عرقلت تركيا في هذه المناطق بشكل متكرّر، وفي حين تمّ وضع «آلية مشتركة» بين أنقرة وموسكو، لكن يبدو أنّ تركيا تشعر الآن بالثقة في قدرتها على تجديد محاولتها للسيطرة على بعض هذه المناطق، لدرجة أنّ أردوغان تحدث عن العملية المحتملة بشكل علني. وأشار الرئيس التركي إلى أنّ بلاده ستستهدف مبدئياً مدينتي منبج وتل رفعت غربي عين العرب. فضلاً عن توسيع نطاق العمليات العسكرية، لتشمل غالبية مناطق الكُرد.
حقيقة الأمر، هناك 4 أسباب رئيسية الرغبات التركية بشنّ عملية عسكرية جديد في شمال شرق سورية، ويمكن إيجازها بما يلي…
أولاً، ستكون السيطرة على منطقة أخرى على طول الحدود التركية السورية بمثابة «استمرار منطقي» للعمليات التركية السابقة في سياق إنشاء المنطقة الآمنة. كما يتلاءم ذلك مع محاربة حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، وكذلك الفرع السوري له «وحدات حماية الشعب» الكردية.
ثانياً، ربما ترى أنقرة أنّ روسيا مشغولة بالحرب في أوكرانيا، وقد لا يكون لديها الوقت والموارد لمنع عملية تركية جديدة، ولا الشرعية السياسية للاعتراض عليها نظراً لعملياتها في دونباس. وتجدر الإشارة إلى أنّ روسيا عززت قاعدتها في مطار القامشلي بطائرات ومروحيات وصواريخ مضادة للطائرات. وتتواجد القوات الأميركية أيضاً على الحدود الجنوبية لتلك المنطقة.
ثالثاً، هناك حتماً بُعد سياسي محلي لمثل هذه العملية على غرار الاعتراض على انضمام فنلندا والسويد للناتو. ومع استمرار الأزمة الاقتصادية قبل الانتخابات، قد يكون من مصلحة أردوغان حشد الناخبين حول العلم لتقويض خطط المعارضة. بالإضافة إلى ذلك، كلما زادت انتقادات القوى الأجنبية للعملية، زادت فائدتها للقيادة التركية التي تحرص دائماً على تقديم نفسها كقوة مستقلة عن روسيا والغرب.
رابعاً، إذا أثبتت العملية نجاحها فإنها ستعزز خطة أنقرة لـ «إعادة اللاجئين السوريين طوعاً» وبالتالي تسجيل نقطة أخرى على الساحة السياسية المحلية، وسط تزايد الاستياء من وجود اللاجئين.
في ذات السياق، فإنّ العملية العسكرية التركية في شمال شرق سورية، ستضع موسكو أما تحدّ حقيقي، وعليه فإنّ أيّ فشل في حماية مصالحها ومصالح دمشق، سوف يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه علامة ضعف. وتعدّ العلاقة بين أردوغان وبوتين معقدة، وفي السنوات الأخيرة وقعت حوادث خطيرة للغاية بين جيشيهما في الأراضي والأجواء السورية. وما لم يفترض المرء أنّ هناك تفاهماً خفياً بالفعل، فستكون المخاطر هذه المرة أعلى من المعتاد بالنسبة لأنقرة.
في المحصلة، يمكن القول بأنّ العدوان التركي الجديد على سورية، وكذا مسرحية تفجير اسطنبول، إنما يصبّان في ذات المعادلة السياسية التي يسعي من خلالها أردوغان، إلى التنصل من التزاماته مع روسيا، وتعطيل منصة أستانا التي ستعقد خلال أيام، وفي ذات التوقيت، ثمة معطيات تؤكد رغبة أنقرة بإعادة العلاقات مع دمشق. كلّ ذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ أردوغان لديه طموحات استعمارية بمعنى الكلمة في شمال شرق سورية، وهو بذلك يراهن على علاقاته مع طهران وموسكو، فضلاً عن نفاذ صبر دمشق.