أولى

انتكاسة كبيرة لاستراتيجية واشنطن تجاه الصين الشعبية

محمد صادق الحسيني

تعرّضت الاستراتيجية الأميركية، المعلنة رسمياً ضدّ جمهورية الصين الشعبية، لانتكاسة كبيرة عبّرت عنها نتائج الانتخابات المحلية للبلديات والمقاطعات في جزيرة فورموزا (جزيرة تايوان) المنشقة عن الصين الأم (البر الصيني)، التي جرت أول أمس السبت ٢٦/١١/٢٠٢٢، والتي فاز فيها حزب الكومينتانغ (توجه قومي) بثلاثة عشر مقعداً من أصل ٢١ مقعداً يتشكل منها المجلس المحلي.
وتنبع أهمية هذه النتائج، المخيّبة لآمال واشنطن، من العوامل التالية:
1 ـ كونها تشكل مؤشراً هاماً على احتمالات فوز حزب الكومينتانغ (Kuomentang) القومي التوجهات سياسياً، في الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في عام ٢٠٢٤.
2 ـ سقوط عميلة الولايات المتحدة الأميركية، تساوي إنغ وين Tsai – Ing Wen، وهي رئيسة هذه الجزيرة ورئيسة الحزب الحاكم حالياً، أيّ الحزب الديموقراطي التقدمي Progressive Democratic Party وقد استقالت أول أمس فور إعلان نتائج انتخابات السلطات المحلية في الجزيرة.
3 ـ علماً انّ هذه السيدة تعتبر الأشدّ تبعية، للسياسات الأميركية المعادية لجمهورية الصين الشعبية، وهي مهندسة الاستفزازات المتوالية لهذه الجزيرة تجاه الوطن الأم، جمهورية الصين الشعبية.
4 ـ كما لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار انّ احتمال فوز حزب الكومينتانغ، في الانتخابات الرئاسية سنة ٢٠٢٤، سوف يمهّد الطريق لإعادة تفعيل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم ٢٧٥٨ المتخذ بتاريخ ٢١/١٠/١٩٧١، والذي ينصّ على انّ حكومة الصين الشعبية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصيني (بما في ذلك مواطني الجزيرة المنشقة).
كما نص القرار على نقل حق النقض (ڤيتو) في مجلس الأمن الدولي، نقله من سلطة حكومة جزيرة فورموزا (تايوان) المنشقة الى حكومة (عموم الصين او الصين الواحدة) وهي حكومة جمهورية الصين الشعبية.
5 ـ يُضاف الى ذلك احتمال قيام أيّ رئيس جديد، من الكومينتانغ، لهذه الجزيرة المنشقة، بمطالبة الولايات المتحدة العودة الى اتباع سياسة الصين الواحدة، طبقاً لقانون الصين الواحدة، المسمّى بالانجليزية Taiwan Relation Actالذي أقرّه الكونغرس الأميركي بتاريخ ٢١/٤/١٩٧٩، والذي شكل الأساس القانوني لاعتراف الصين بجمهورية الصين الشعبية واعتبارها ممثلة لكلّ الصينيين (كانت واشنطن قد ألغت اعترافها باستقلال تايوان).
الأمر الذي سيسحب الذرائع من يد الرئيس الأميركي الحالي، جوزيف بايدن، الذي أعلن في شهر ١٠/٢٠٢١ انّ الولايات المتحدة سوف تقدّم الدعم لتايوان، في حال تعرّضها لهجوم، وهو الموقف الذي يتناقض مع القانون الذي أسّس للعلاقة الأميركية الصينية والذي وافق عليه الكونغرس الأميركي في حينه.
6 ـ هنا لا بدّ من الإشارة الى انّ تصريحات الرئيس الأميركي ليست إلا ذرائع واهية، لمواصلة السياسة الأميركية المعادية لجمهورية الصين الشعبية، خدمة لمصالح الهيمنة الأميركية على جنوب شرق آسيا من جهة ولزيادة التوتر والتصعيد العسكري من جهة أخرى، وذلك من خلال تنفيذ مناورات بحرية وجوية واسعة النطاق في محيط الصين الشعبية الشرقي والجنوبي الشرقي، بالتعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية، بحجة ردع الصين وحماية تايوان من هجوم صيني محتمل على الجزيرة المنشقة.
7 ـ إلا انّ السياسة الرسمية لجمهورية الصين الشعبية، تجاه الجزيرة المنشقة، تؤكد عكس ذلك تماماً. وهو ما تؤكده تصريحات رئيس مجلس الدولة الصيني لشؤون تايوان، التي أدلى بها قبيل زيارة نانسي بيلوسي الاستفزازية للجزيرة المنشقة، في آب ٢٠٢٢، حيث قال هذا المسؤول الصيني بعد اجتماعه مع نائب رئيس حزب الكومينتانغ في تايوان انّ جمهورية الصين الشعبية وحزب الكومينتانغ قد حافظا على علاقات وثيقة وعملا على تمتين الاستقرار في المنطقة.
وهو ما يعكس سياسة الطرفين للمضيّ قدماً في مبدأ الصين الواحدة، الذي سيشكل الأرضية المشتركة، للتعاون بين حكومة جمهورية الصين الشعبية وايّ رئيس من حزب الكومينتانغ سيُنتخب سنة ٢٠٢٤.
8 ـ وهذا بالضبط هو الفارق الأساسي، بين السياسة الحكيمة لجمهورية الصين الشعبية، وبين سياسة الرئيس الأميركي العدوانية، والداعية الى شنّ الحروب، ضدّ الدول الأخرى وحلّ المسائل المعلقة بالقوة العسكرية، وبعيداً عن الطرق الدبلوماسية الأكثر نجاعة.
علماً انّ الرئيس الأميركي، على ما يبدو، لا يزال يعيش عقلية بداية خمسينيات القرن الماضي، عندما حشدت واشنطن جيشها وهاجمت جمهورية كوريا وأطلقت نيران حرب ضروس، استمرت ثلاث سنوات وأسفرت عن تقسيم كوريا الى شمال وجنوب.
وهو لا يعي انّ موازين القوى، في العالم، قد تغيّرت ولم يعد اليانكي الأميركي الآمر النهائي هذا العالم.
عالم أميركا القوية ينهار ويتقهقر، وعالم شعوب الأمم المتحررة من هيمنة أميركا ينهض ويتقدّم.
بعدنا طيبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى