هل تغادر “قسد” مربع الرهان على الأميركي؟
حسن حردان
عاد إلى الواجهة التهديد التركي بشن عملية عسكرية برية في شمال سورية تستهدف قوات قسد الكردية وفرض منطقة أامنية عازلة بعمق 30 كلم داخل الأراضي السورية بذريعة حماية الأمن القومي التركي.. ولوحظ انّ هذا التهديد الذي يتمّ في ظلّ غارات جوية تركية تستهدف مواقع قسد، قد أعقب عملية التفجير الإرهابية في شارع تقسيم في قلب مدينة اسطنبول، حيث اتهمت أنقرة حزب العمال الكردستاني بالوقوف وراءها..
وعلى إيقاع هذا التهديد التركي نشطت الاتصالات الدبلوماسية بين تركيا وروسيا وأميركا وسورية.. فـ فيما عارضت واشنطن ايّ هجوم يستهدف قسد، عرضت موسكو حلاً وافقت عليه أنقرة، ويقضي بانتشار الجيش العربي السوري في المناطق الحدودية مع تركيا، وانسحاب قوات قسد منها، مقابل تعهّد أنقرة بسحب قواتها من سورية والعودة إلى التفاوض مع دمشق لإحياء اتفاق أضنة الذي يضمن الأمن على طرفي الحدود، لكن قيادة قسد لا تزال تمانع هذا الحلّ، مدفوعة بذلك من قوات الاحتلال الأميركية التي تعتمد في أساس استمرار احتلالها في هذه المنطقة على قوات قسد.. ويبدو من الواضح أنّ قيادة قسد لا تزال غير متحمسة للاتفاق مع الدولة السورية، وهي تراهن على الدعم الأميركي لفرض واقع انفصالي في المنطقة ترفضه دمشق بقوة.. كما ترفضه تركيا التي تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها القومي لكونه يقع على حدودها.. وتضرب قسد بذلك عرض الحائط كلّ التحذيرات التي صدرت وتصدر عن مسؤولين أميركيين، حاليين وسابقين، من الرهان على استمرار الدعم الأميركي، وانّ واشنطن سوف تساوم عليها في اللحظة التي تقتضي مصالحها ذلك، إما بتغليبها العلاقة الاستراتيجية مع تركيا، أو بعقد اتفاق مع الحكومة السورية يقضي بانسحاب قواتها من سورية..
وفي هذا السياق يقول مستشار السياسات الأميركية عن العراق وسورية في مكتب المبعوث الأميركي الخاص كريستوفر الخوري، “إنّ السياسة الأميركية في سورية، مع تولي جو بايدن السلطة، كانت منفصلة عن الواقع.. إذ انّ الإدارة قد قرّرت، والحالة هذه، إعادة تشكيل الأهداف الأميركية، وتراجعت عن تأمين المنشآت النفطية السورية، والرغبة بإخراج كلّ القوات المرتبطة بايران، بعدما لمست عدم قدرتها على ذلك”.
وفي معرض مناقشته استراتيجية الخروج الأميركية من سورية، قال الخوري في مقال له في مجلة “فورين أفيرز”، إنّ التعديل في سياسة الإدارة جاء بناء على رؤية تقول إنّ “القوات الموالية للولايات المتحدة وان سيطرت على مناطق واسعة في البلاد الا انّ التأثير الأميركي فيها يظل محدوداً، إضافة إلى أنّ البدائل الأخرى تظلّ قائمة مثل استثمار مصادر مالية وعسكرية كبيرة، على أمل تحقيق نتيجة سياسية غير واضحة، ولا يمكن أن تتجاوز جوهر التحدي الرئيسي في سورية، وهي أنّ نظام (الرئيس) بشار الأسد قد انتصر في الحرب، واستثمار كهذا لا ينصح به، وليس قابلاً للتحقق”.. ويضيف الخوري قائلاً، “إنّ خروجاً أميركياً فضفاضاً سيكون مهماً وتحصل فيه الولايات المتحدة على منفذ للأجواء السورية والحق بالدفاع عن مصالحها لو تعرّضت لتهديد من النظام أثناء قيامها بعمليات ضدّ التنظيم (داعش)، وبعد سبع سنوات من دخول القوات الأميركية سورية حان الوقت لواشنطن لكي تسحب قواتها، فالوجود الأميركي في سورية ليس رصيداً استراتيجياً، أنه مكمن ضعف”..
وفي هذا الإطار يؤكد كريستوفر الخوري “كل يوم يمرّ يزيد من المخاطر على القوات الأميركية، ويضعف ولا يقوّي الموقف التفاوضي للولايات المتحدة في ما يتعلق بما يمكن الحصول عليه من (الرئيس) الأسد وروسيا مقابل خروج الولايات المتحدة”.. وهو برأيه، ضمان وصول الولايات المتحدة إلى المجال الجوي السوري، وسلامة السوريين الذين قاتلوا إلى جانب القوات الأميركية لهزيمة داعش، ويقصد بذلك قوات قسد”.
اذا ما أخذنا هذا الكلام الواضح لـ الخوري، الذي يدعو إلى الإسراع بسحب القوات الأميركية من ضمن اتفاق مع الدولة السورية وروسيا، طبعاً لحفظ ماء وجه أميركا وعدم ظهور انسحابها هزيمة، معطوفاً على كلام للسفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد، الذي دعا الأحزاب الكردية إلى عدم الركون إلى استمرار الدعم الأميركي لها، وانّ واشنطن عندما تخيّر بين العلاقة الاستراتيجية مع تركيا، وعلاقتها الآنية التكتيكية مع الأكراد ستختار تركيا، إذا ما أخذنا هذا الكلام، يمكن معه القول انّ قيادة قسد عاجلاً ام أجلاً ستواجه استحقاق تخلي واشنطن عنها، تحت مبرّرات عديدة، لكن النتيجة واحدة وهي أنّ على قسد ان تتدبّر أمورها بنفسها، وهذا يعني أن تعود إلى الحوار مع الحكومة السورية، لكن بعد أن تكون قد فقدت الغطاء الأميركي، وعاندت طويلاً ولم تأخذ بنصائح روبرت فورد، ولم تتعظ من التجارب السابقة المرة لاعتماد الأحزاب الكردية على الوعود الأميركية، التي تبخرت عندما اقتضت مصلحة واشنطن ذلك..
من هنا فإنّ الفرصة أمام قسد لمغادرة مربع الرهان على ديمومة بقاء القوات الأميركية، لا زالت متاحة من خلال الإسراع في تلقف المبادرة الروسية، لتجنب العملية التركية البرية، واستطراداً العودة إلى الدخول في حوار حقيقي مع الحكومة السورية، والتخلي عن أوهام إقامة كيان انفصالي.. أما إذا أضاعت هذه الفرصة، فانّ خسارتها ستكون مضاعفة لأنّ من يراهن على المحتلّ الأجنبي لتحقيق مكاسب على حساب وحدة سورية، أرضاً وشعباً، واستقلالها وسيادتها، سيجد نفسه عارياً عندما ينسحب هذا المحتلّ ويتركه وحيداً يواجه مصيره المحتوم.. على غرار ما حصل للحكم الأفغاني الذي انهار بعد قرار القوات الأميركية بالخروج السريع من افغانستان.. وعلى غرار ما حصل قبل عقود عندما انسحبت القوات الأميركية من فيتنام تاركة نظام سايغون يواجه نهايته المحتومة…