حمام منجك اليوسفي في بصرى الشام.. إنجازات العمارة في العصر المملوكي
يشكل حمام منجك اليوسفي أعلى مستوى إنجازات العمارة في العصر المملوكي، وبناؤه من قبل كتائب السلطان المملوكي يعتبر تطويراً للمرافق العامة في بصرى وإعماراً لطريق الحج المؤدي إلى المدينتين المقدستين مكة والمدينة.
وذكر رئيس دائرة آثار بصرى الشام علاء الصلاح في تصريح للإعلام أن بناء الحمام دليل على المستوى الرفيع الذي وصلت له الحضارة الإسلامية خلال العصور الوسطى، مبيناَ أن الحمام مع الجامع العمري المجاور له وسط المدينة علامة على انتقال بصرى من عاصمة كلاسيكية قديمة إلى مدينة إسلامية، موضحاً أن هذا الحمام تميّز باستخدام نظام التقبية المعقد الذي استخدم في منشآت الأيوبيين التي تعتمد في بنائها على العمارة المتبعة في دمشق.
وتابع الصلاح: إن نظام بناء منطقة انتقال القبة المغطية لغرفة الاستقبال يتكون من حنايا ركنية، ومن عدة صفوف السفلية منها ما زالت باقية وهي في الحقيقة من خصائص عمارة المماليك في دمشق التي عرفت في عدد قليل من الأمثلة تعود إلى فترة تمتد من القرن الثامن الهجري – الرابع عشر الميلادي إلى بداية القرن التاسع الهجري – القرن الخامس عشر الميلادي، مبيناً أن مخطط جناح الاستحمام الذي يحتوي على غرفة مركزية ذات عشرة أضلاع معروف فقط في مباني حمامات قليلة في دمشق تعود إلى الفترة نفسها.
وعلى الرغم من التدمير الذي أحدثه المغول في بصرى عام 658-1260 فإن المدينة استعادت أهميتها السابقة، فبعد ترميم القلعة بواسطة السلطان المملوكي الظاهر بيبرس عاشت المدينة خلال حكم المماليك فترة هدوء وازدهار اقتصادي انتهت مع الاحتلال العثماني.
وبين أن وجود المباني الدينية سابقة الإنشاء لم تستدع القيام بمشاريع عمرانية جديدة باستثناء إضافة مئذنة إلى جامع فاطمة وبعدها بسبعة عقود إشادة حمام منجك على يد نائب سورية ودمشق منجك اليوسفي، وقد افتتح عام 773-1372، وهو يعتبر مثالاً رائعاً للهندسة المعمارية في العصور الوسطى.
وفي العام 1981 تم الكشف عن الحمام والتنقيب فيه وإجراء عمليات ترميم لبعض أجزائه ضمن إطار مشروع تعاون مشترك بين دائرة آثار بصرى والمعهد الألماني للآثار في دمشق ليعود الحمام إلى وضعه السابق.
ولفت الصلاح إلى أن الحمام يقوم على قطعة أرض مساحتها 45 ضرب 14 متراً كانت كافية لتشييد أقسام الحمام الداخلية المختلفة، موضحاً أن في الحمام 18 مكاناً للاستحمام يتم توزيع الماء البارد والساخن عليه، لافتاً إلى أنه يوجد في باطن الأرض ممرات تنقل الهواء الساخن من غرف الاشتعال «الفرن» إلى المدخنة التي كانت قائمة في الجدار الشمالي لغرف الاستقبال.
وقال: إن هذه الممرات تعمل أثناء عملية المرور على تسخين غرف الاستحمام في حين تغطى أرضية الحمام بألواح من الحجارة مختلفة الألوان والقطع الرخامية ذات التشكيلات والأحجام والألوان المختلفة.