الموعد مناسب لطرد الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين
} د. جمال زهران*
أدعو الكثير من المحللين المهتمّين بالشأن الفلسطيني، أن يبذلوا الجهد في سبيل وضع تصورات عملية حول موعد إزالة الكيان الصهيوني المغتصب، وإعلان تحرير فلسطين، والتأسيس لاستقرار حقيقيّ للمنطقة العربية، وذلك في بداية هذا المقال. وهناك من الاجتهادات، التي تشير إلى أن تحرير فلسطين له موعد، والتفسير قدري، ويصل إلى طرح أرقام معينة وتواريخ معينة، وهو الأمر الذي يتعارض مع العقل والمنطق والواقع!!
وبداية فإنه يمكن القول بشكل حاسم، أن عناصر هدم الكيان الصهيوني، موجودة في داخله، أكثر من خارجه إقليمياً أو دولياً. وتتركز عناصر الهدم في ثلاثة هي:
(العنصر الديموغرافي/ السكان)، وعنصر الهجرة العكسية أو النزوح الصهيوني من الكيان إلى الخارج أو موطنهم الأصلي، وعنصر الفشل السياسي الداخلي، والذي لم يعد قادراً على العلاج، وأبسط مثال على ذلك، هو انتخابات البرلمان التي تكررت (5) مرات خلال (3) سنوات، وعدم القدرة على صمود واستمرار الحكومة الصهيونيّة!
ولعل العنصر الديموغرافي يتبلور في صورة عدم التوازن في النمو السكانيّ، حيث يتكاثر الفلسطينيون بمعدلات عالية وصلت إلى ثلثي عدد السكان المقيمين في داخل الكيان وخارجه على الأرض الفلسطينية، بينما يتوقف التكاثر لدى المستوطنين الصهاينة، ويتراجع كل يوم، مع تراجع معدلات الهجرة اليهوديّة إلى الداخل الصهيونيّ، ووصلت إلى التوقف أو «صفر» هجرة!!
ووفقاً للدراسات الديموغرافية في هذا الصدد، فإن خلال الفترة من (10 – 20) سنة، سيتراجع الوجود الصهيونيّ، ويتقدم عدد السكان الفلسطينيين، الأمر الذي يُسهم في تكرار تجربة «جنوب أفريقيا»، حيث كانت الأقلية البيضاء هي التي تحكم بالقهر والدعم الاستعماريّ، إلى أن انتصرت الأغلبية السوداء، وأصبحت هي التي تحكم، وأصبح سيناريو «الذوبان» في المجتمع الجديد هو الخيار الغالب والصحيح.
وتتضافر مع ذلك زيادة معدلات النزوح الصهيوني من الداخل إلى الخارج، ولا يتوازى مع الهجرة اليهودية إلى الداخل، مما يعني أنه باستمرار ذلك، فإن العنصر اليهودي الصهيوني سيمثل الأقلية، وسيتراجع، ويدخل مرحلة «الذوبان الإجباري»، أو الخروج من الكيان إلى الخارج جبراً.
ومن ثمّ فإن بالعلم والدراسات الديموغرافية، نستطيع أن نؤكد على أن الكيان الصهيوني إلى زوال، بفعل «التفتيت الداخلي»، مع عنصر الوقت، إلا أن استعجال ذلك يتحقق بشكل أسرع، بالمقارنة، التي تُسهم في إشاعة جو الرعب وعدم الشعور بالأمان والاستقرار للمستوطنين الصهاينة في أي بقعة من بقاع فلسطين المحتلة. ولا يجب التذرّع بأنّ العدو الصهيوني، لديه قدرات أمنية خارقة، قادرة على حماية المحتلين الصهاينة. ولعل العمليات العسكرية للمقاومة أخيراً في نابلس عن طريق كيان مقاومة جديد (منظمة الصاعقة)، بعيداً عن كل الفصائل الفلسطينية الحالية، وإيقاع الخسائر البشرية (قتلى + جرحى)، خير دليل على صحة التحليل.
لكن المشهد الأكثر احتمالاً في هذه الأيام، وبأخذ العوامل الثلاثة السابقة في الحسبان، هو أن الكيان الصهيوني أصبح في «مشهد بائس ووقت الغروب»، وأضحى مثل «بيت العنكبوت»، ولا يحتمل الاستمرار في ظل معادلات القوة الحالية، وخصوصاً بعد اندلاع الأزمة في أوكرانيا، بعد التدخل العسكري الروسي فيها، وهي على بُعد مسافة بسيطة من الكيان الصهيوني. فسقوط وانهيار هذا الكيان، أصبح حتمياً بدرجة كبيرة، وذلك في ظل قراءة للحاضر والمستقبل، عبرنا عنها في مقالات عدة.
فالأزمة في داخل «إسرائيل» مستمرة، وفشل كبير في إدارة شؤون المجتمع. كما أن الحكومة الصهيونية سواء في عهد، بينيت، أو غيره، أو في عهد نيتنياهو القادم (قيد رئاسة الحكومة المحتملة)، غير قادرة على صياغة سياسة متوازنة إزاء روسيا وأميركا ومعها أوروبا، الأمر الذي قاد إلى الغضب الروسيّ على «إسرائيل»، وإلغاء وجود الوكالة اليهودية في موسكو ووقف نشاطاتها، وحدوث أزمة كبرى بين الكيان الصهيوني، وبين روسيا، وصلت إلى حدّ التهديد الروسي لـ «إسرائيل»، وصل إلى مبادرة موسكو بفتح ملفات تفضح فيها الكيان الصهيوني!! يزيد من كراهية العرب لها، وكراهية العالم كله!!
كما أن استمرار العدوان الصهيونيّ المتكرّر على سورية، منتهكاً أراضي لبنان، من شأنه زيادة التصعيد المحتمل في المنطقة، وتزايد الغضب العربي إزاء الكيان الصهيوني، وينسحب ذلك على حزب الله اللبناني، الذي ينتظر الفرصة ويترقب لحظة الانقضاض على هذا الكيان.
كما أن المحيط الشعبي العروبي الداعم للقضية الفلسطينية، رافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي تجسد في فترة إقامة المونديال على أرض قطر، منذ بداية الافتتاح وحتى الآن، حيث لم يتوقف التأييد الشعبي لفلسطين، وإعلان معاداة الكيان الصهيوني، بوضوح وبلا مواربة، لهو أكبر دليل على توافر الحاضنة الشعبية العربية، لإزاحة الكيان الصهيوني من الإقليم، وتحرير فلسطين.
ولذلك فإنني أرى أنّ أنسب لحظة مناسبة للانقضاض على الكيان الصهيوني، هي اللحظة التي نعيشها الآن مع نهايات عام 2022، على كل الأصعدة، ووفقاً لكل المتغيرات والعناصر التي أشرت إليها، تبدأ باستمرار عمليات المقاومة الفلسطينية التي بدأت منذ عدة أسابيع، وفتح جبهتي الجولان وجنوب لبنان وشبعا، وحتى نرى الصهاينة يهرعون للخروج الكبير، وإعلان انتهاء الوجود الصهيوني، وإعلان تحرير فلسطين وميلاد الدولة الجديدة في فلسطين.
هكذا أرى المشهد، لعلنا نرى فرصة تفرحنا في حياتنا.. حياة كل العرب والمسلمين في أنحاء وطننا العربي، وعالمنا الإسلامي، وبالله التوفيق..
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.