الصين تحت قبة عربية : هل يجرؤ لبنان؟
ناصر قنديل
ــ الكلمة التي لم تتجاوز الثلاثة دقائق التي ألقاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في القمة العربية الصينية بإسم لبنان، والتي اقتصرت على التحيات والشكر وكانت أقرب للسلام عليكم واستودعكم الله بدعاء التوفيق، مقارنة بقرابة ثمانية دقائق لكلمة رئيس حكومة العراق ومثلها لكلمة رئيس المجلس اليمني وعشر دقائق لكلمة الرئيس التونسي، عرضت كلّ منها لما تختزنه بلادهم من فرص وما تعانيه من أزمات وما يملكه الحكام من رؤى، كشفت كم كانت الكلمة اللبنانية الفارغة من أيّ معنى تعبيراً عن حالة العجز اللبنانية والعقم الفكري وضعف المخيّلة ونقص القدرة على المبادرة والخوف من الإقدام التي يعانيها القرار اللبناني في التعامل مع الفرص، وفي إدارة النظر لوظيفة لبنان الإقتصادية، ففي مناسبة كهذه حشدت الدول المشاركة ما لديها من رؤى ومبادرات وفرص وإمكانات لتضع بلدانها على خارطة ما يختزنه المجال الاستراتيجي الجديد الذي تفتتحه القمة بين العرب والصين، حيث أموال طائلة للإستثمار ومجالات لا تحصى للتعاون، وحضور على أعلى مستويات القرار لمن يخططون ويشرفون على تنفيذ هذه النقلة التاريخية في القرارات.
ــ تبدو الكلمة اللبنانية قد كتبت بيد مرتجفة، تحكمها هواجس قراءة الرقيب الأميركي، والرغبة بنيل رضاه، فغاب لبنان كلياً، وهو الذي كان يكفي لرئيس حكومته القول إنه يتطلع مع هذه القمة لأن يكون على خارطة اهتمام القادة المشاركين من الجانبين العربي والصيني، وخصوصاً الخليج والصين، حيث لبنان نافذة الشريكين العربي والصيني على البحر المتوسط، وحيث الخبرات البشرية اللبنانية بسمعتها العالمية العالية وكفاءاتها ومهاراتها خصوصاً في مجالات التقنيات الحديثة والاتصالات والخدمات، تمنح الشريكين العربي والصيني فرصة الحصول على عاصمة متطورة رخيصة للتعليم والتدريب والتخطيط، وحيث الحجم الصغير للبنان مساحة وعدد سكان، مع تطور عال في نمط العيش يمنحه قدرة تشكيل مختبر المشاريع الحديثة، في مجال الطاقة النظيفة والمدن الذكية والأجيال الجديدة في مجال الاتصالات ووسائل النقل البري والبحري، وحيث الإطلالة على المتوسط والمناخ المعتدل يتيحان الاستناد إلى لبنان كمركز لإقتصاد الترفيه والاستجمام، بينما توفر بنيته القانونية المجال الواسع لتأسيس المناطق الاقتصادية الحرة وشركات الأوفشور لخدمة أغراض التبادل التجاري المفتوح مع العالم للسلع والخدمات، وحيث لبنان الواجهة البحرية على أوروبا معرض مفتوح للبضائع والشركات والخدمات والتكنولوجيا، عدا عن الفرصة الواعدة في مجال النفط والغاز.
ــ بدا رئيس حكومة لبنان كأنه لا يطيق انتهاء القمة لزوال الكابوس، بينما غيره كان ينتظر افتتاحها لبدء الحلم، والأميركي الحاضر في خلفية التفكير اللبناني والغاضب من القمة، رغم ما يربطه من علاقات مع السعودية لا يمكن أن تقارن بالعلاقات اللبنانية الأميركية، التي صارت الأقرب للحب من طرف واحد، هو الأميركي الذي تجاوزت السعودية كحليف استراتيجي تحفظاته ونصائحه وضغوطه لتخفيض مستوى القمة وضبط التعاون مع الصين، منطلقاً من حساب عنوانه التمسك بالقرار المستقل وحسابات المصلحة الوطنية، وحال اليمن وتونس والعراق ليس أبعد عن الأميركي من حال لبنان، لكن أحداً آخر ليس مسكوناً بهاجس الاسترضاء المذل للأميركي الذي عبر عنه لبنان، وهذا يجعلنا نفهم سبب الرفض الحكومي اللبناني لكلّ العروض الروسية والصينية والايرانية، وآخرها هبة الفيول الايرانية التي لم تجد كما من قبلها هبة الذخائر الروسية من يتجرأ على قبولها، مع فارق الأولوية والحاجة الملحة لهبة الفيول التي قال السفير الإيراني عنها، أنها منتهية بالترتيبات التنفيذية من جانب إيران، وتعتبر منتهية بالفشل من الزواية اللبنانية للإستقبال، بالرغم من أنّ لبنان يرزح تحت أزمة كهرباء كانت الهبة الإيرانية ستتيح كسر حلقتها المفرغة بتأمين الوقود اللازم لتأمين الكهرباء لعشر ساعات يومياً لثلاثة شهور، ترفع خلالها التعرفة وتنطلق منها دورة التمويل الذاتي، وبالرغم من أنّ تجربة لبنان مع الوعود الأميركية الكاذبة في تأمين الغاز المصري والكهرباء الأردنية المدفوعتين يجب ان ترفع نسبة الشعور بالكرامة للردّ وعدم تضييع البديل المجاني.
ــ يجب أن يعرف اللبنانيون أنّ ما ينقصهم هو الإرادة على امتلاك قرار مستقلّ نابع من قياس المصلحة الوطنية فقط، ولم تعد ثمة حاجة للدعوة للتشبّه بقيادات وطنية مقاومة في بلاد العالم، بل بقيادات كان الحكام في لبنان يتخذونها مثالاً يُحتذى كالقيادات السعودية والخليجية، نخشى ان يصفها حكامنا بالتهوّر لأنها قرّرت بناء علاقاتها على مقاس مصالحها، ولو غضب الأميركيون، والأرجح أنّ الأميركيين سيتخذون الحكام اللبنانيين نموذجاً لما يرغبونه من حكام العالم، طاعة عمياء ورهاب مستدام ونفذ ثم إسأل.
ــ هذه كلفة تسلم رجال المال والأعمال لمسؤوليات الحكم.