مقالات وآراء

حكومة دياب: الشعب ضيّع الفرصة وأبقى على سلامة

‭}‬ ريم عبيد
حالة التحسّر والندم على حكومة كانت فرصة لإخراج لبنان من العناية الفائقة، الى الإنعاش ثم الى التماثل للشفاء، تزداد وتيرتها في الآونة الأخيرة.
ولم لا، فهي حكومة كانت ولأول مرة تصارح الشعب اللبناني بحقيقة ما يجري في القطاع المالي، لم تتنصّل من مسؤولياتها، لم تخبّئ المشاكل تحت السجادة، بل كانت واضحة وتحدّثت عن فجوة تبلغ ٦٩ مليار دولار… وهو ما لم يكن وارداً طرحه من قبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كان يدري بأنّ البلاد في خطر، ويخرج بطلاسمه ليقول بعدها «إنّ الليرة بألف خير»!
قد يُلام الشعب اللبناني لأنه لم يقف الى جانب حكومة الرئيس السابق حسان دياب وقفة رجل واحد، ولكن مما لا شكّ فيه أنّ المنظومة الحاكمة التي تتبع إملاءات خارجية هي المسؤولة عن تنحيتها لكي لا تكون حجر عثرة في طريقها يمنعها من استكمال مسار فسادها.
الحكومة استقالت بعد انفجار الرابع من آب، جدية وزرائها تناثرت أدراج الرياح، الخطط التي وضعتها من أجل النهوض بالاقتصاد المتهالك في لبنان ينفذ بعضها بشكل مجتزأ وخاضع للمنافع الشخصية، والقرارات التي كان يمكن أن تتخذ وانتظرها اللبنانيون بقيت للأسف حبراً على ورق، والرئيس الوطني بامتياز، الأكاديمي المستقلّ التكنوقراط، المثقف، المُصرّ على النجاح، والساعي لإنقاذ لبنان رغم عجزه رحل، لأنّ الإرادة الأميركية غايتها الإبقاء على لبنان في حالة فوضى.
وقبل الخوض في الحديث عن حكومة دياب وكيف أنها كانت كفيلة بإخراج البلاد مما هي فيه، لا بدّ من التوقف قليلاً عند أبرز أوجه الاختلاف بين خطة دياب وخطة ميقاتي التي تناقش حالياً، وذلك نقلاً عن «موقع العهد الإخباري»:
1 ـ خطة دياب أكدت على حماية كلّ الودائع تحت مبلغ 500 ألف دولار بينما خطة ميقاتي تحمي الودائع تحت 100 ألف دولار فقط.
2 ـ سعر صرف الدولار الموحد في حكومة دياب وفق تقرير صندوق النقد الدولي كان 3500 ليرة للدولار الواحد بينما اليوم سعر الصرف الموحد أصبح يتخطى بالتأكيد الـ 40000 ليرة للدولار الواحد.
3 ـ الفارق الزمني مهمّ جداً حيث إنّ خطة دياب لو أقرّت في حينها لكانت موجودات مصرف لبنان اليوم أكثر من 32 مليار دولار بالإضافة الى احتياط الذهب، أما اليوم فالموجودات قاربت الـ 10 مليارات دولار بالإضافة الى احتياط الذهب.
الرئيس دياب يقول عن خطته إنها كانت مميّزة ولكنها ليست منزلة.. ويضيف «أنجزناها في أقلّ من 80 يوماً، وتلقينا عليها ثناءات من جهات محلية وعالمية، واستفتينا لأجلها نقابات تمثل ما يفوق المليون لبناني، وكانت تفترض ضبط سعر صرف الدولار الذي قد يرتفع الى حدود قصوى أربعة آلاف ليرة، توفير ملايين الدولارات في المصروفات التي كانت تدفع على الفيول أويل من أجل تشغيل معامل الكهرباء، هذا بالإضافة الى أنّ الفوائد التي تلقاها كبار المودعين من 2015 الى 2019 ـ نتحدث هنا عن نصف مليون دولار وما فوق ـ وهم الذين يشكلون 2 بالمئة من المودعين، كان بالإمكان تنفيذ الهيركات عليها بحدود 80 بالمئة، وبالتالي يحصل المودع على 20 في المئة، وهذه وحدها كانت قادرة أن تدخل الى ميزانية الدولة مليارات الدولارات، وبموجب هذه الخطوات وخطوات أخرى كانت البلاد قادرة من العام 2019 الى عامنا هذا 2022 أن تبدأ بالانتقال من حالة التردّي الى التعافي، والخير لقدام.
في المقابل. لو يُسأل ميقاتي اليوم، عن خطته ونتائج تطبيقها، ماذا قد يجيب؟ هل يمكن أن يضبط سعر صرف الدولار، هل يمكن أن يؤثر على قرارات مصرف لبنان، الذي صرف حاكمه منفرداً أكثر من 30 مليار دولار من أجل تثبيت سعر الليرة اللبنانية، وأبقى اللبنانيين في وهم، وهو الذي خرج في أيلول 2019 ليقول «إنّ الليرة بألف خير»، علماً انّ الاقتصاد اللبناني كان قد انكمش بأكثر من 40% منذ 2018، في وقت سجل التضخم رقماً من 3 خانات، في حين احتياطيات العملات الأجنبية آخذة في الانخفاض، وسعر الصرف الموازي وصل إلى 40 ألف ليرة لكلّ دولار، و»الليرة بألف خير»!
ما حصل فعلاً، هو انّ حاكم مصرف لبنان استنزف الاحتياطي على مدى سنوات.
وكان العجر قد بدأ، من العام 2011، حيث بدأ ميزان المدفوعات يسجل عجزاً ازدادت أرقامه مع الوقت، وهو ما يعني أنّ الأموال التي تخرج من لبنان أكثر من التي تدخل إليه على عكس ما كان يحصل في السابق.
وهنا يُطرح السؤال لماذا لم يتمّ إقرار قانون كابيتال كونترول في وقتها، وقد استمرّ الحال هكذا من دون ضبط منذ العام 2019 حتى اليوم.
وتشير الأرقام الى أنه في العام 2019 خرج من لبنان حوالى 25 مليار دولار، وكان سبقها 15 مليار في 2018 ، وللآن لم يُعرف في العام 2020 كم خرج من مليارات من لبنان، وهناك من يؤكد انْ الوضع نفسه لا يزال سائداً حتى اللحظة.
حين تسلّمت حكومة دياب مهامها، كان المصرف المركزي يسجل فجوة تصل الى 69 مليار دولار، والسبب يعود الى السياسات الخاطئة والقرارات التي كان يعتمدها سلامة في محاولة بائسة منه لتثبيت الليرة.
وحين قرر دياب إقالته، قامت الدنيا ولم تقعد… وللأسف بقي سلامة ورحل دياب، والفضائح المرتبطة بسلامة تتوالى الواحدة تلو الأخرى… وتبقى الحماية، علماً أنّ دياب يؤكد جازماً أنّ في إقالة سلامة كان يكمن حلّ مشكلة كبيرة، خصوصاً أنه المسؤول الأول عن ملايين الدولارات التي خرجت من البلاد بعلمه، وهو المسؤول عن السقوط المدوّي لليرة، وهو المسؤول عن جزء كبير من الفساد المالي إنْ لم نقل كله، وهو المسؤول عن ترك المواطن اللبناني يعيش بوهم أنّ الليرة بألف خير.
وفي حين كان دياب يحاول أن يحلّ مشكلة لبنان بحلول داخلية، يقول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الآن «إنّ الأزمة الاقتصادية والنقدية الراهنة لن تصل إلى مخرج لها، دون إقرار الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، بما يؤمّن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية إلى ‎لبنان».
إذن، المزيد من الديون والمزيد من التبعية، والمزيد من الانهيار.
ومن المؤكد أنّ الخسائر في النظام المالي، تتضخم باستمرار طالما أنّ سياسة الاستنزاف هي السائدة، والفجوة في حسابات المصرف المركزي تزداد عمقاً طالما انّ الصرف من الاحتياطي شغال من دون حسيب أو رقيب! وهنا لا بدّ من القول انه فيما لو وصل الاحتياطي الى مليار واحد، تلقائياً سيقفز الدولار الواحد الى مليون ليرة لبنانية، ولك عزيزي القارئ أن تتخيّل حالة اللبناني آنذاك.
ومن المؤكد أنّ مساهمة الدولة في سدّ الفجوة ستكون «محدودة» لضمان استدامة الدين العام، بينما ستكون مساهمة المودعين أمراً لا مفرّ منه في خطة ميقاتي…
وفيما يلوم البعض حكومة الرئيس دياب لأنها تخلفت عن دفع سندات اليوروبوند، إلا أنّ الواقع يقول إنّ فقدان لبنان للثقة الدولية لم ينتج عن التخلف عن دفع هذه السندات، بل هو نتيجة حتمية لسنوات طويلة من الفساد وهدر المال العام وغضّ النظر عن إجراء اصلاحات بنيوية في إطار الحوكمة. وأدّى ذلك مجتمعاً إلى تلاشي ثقة الدائنين الأجانب، فالتخلّف عن الدفع كان حتمياً، ودفع مستحقات اليوروبوند حينها كان ربّما سيؤجّل الانهيار لكنّه لم يكن ليعيد ثقة دولية غائبة في ظلّ هذه السلطة السياسية العاجزة.
كيف لا تفقد الثقة ولم يتمكّن البرلمان اللبناني لغاية اليوم من انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ومع الاحترام لعدد من وجوه الحكومة الحالية الذين يعملون بجدّ وصدق، الا أنّ حكومة دياب بشخص رئيسها والأغلب الأعمّ من وزرائها كانت فرصة ضيّعها لبنان وأجهزت عليها المنظومة الحاكمة التي لا تزال حتى هذه اللحظة تتحكم بلبنان.

Related Articles

Back to top button