ميسي الذي انتظرناه طويلاً مشاكس محارب لا يستكين
} أحمد أحمد
شاهدتُ القليل من طيْف دييغو مارادونا في السابق، مقابلاته، تصريحاته، جنونه، مشاكساته، تأثيره على زملائه.. وبناء على ما شاهدته أكاد أجزم بأنّ هذا الرجل مع كلّ هذا الجنون، كان سيجلب كأس العالم للأرجنتين ولو كان مُقعدًا على كرسي متحرّك.
تعوّدت دائماً على رؤية الأرجنتنيين بهذا الثوب، ثوب التطرّف، التعصّب القوميّ الى حدّ الجنون، الشارع وكلّ ما هو بعيد عن البيئة السليمة مع ما يرافقه من دموع الأطفال عند الهزيمة او الإخفاق.. مخلوقات متطرّفة عاطفياً، قد تكون خارجة عن القانون، تُدمن المخدّرات، تواعد النساء وفي الوقت عينه قد تراها تنفجرُ بكاءً عند إخفاقاتها أو احتفالاتها.
منذ مدّة، وأنا أتشوّق لرؤية ليو ميسي بهذا الثوب، ثوب الجنون. القائد القادم من أزقّة الشارع مع رفاق السوء، يقاتلون على كلّ كرة، يهاجمون الحكّام، يتشاجرون ويشتمون الخصم.. لم يكن يعجبني ميسي قائد برشلونة ساكن الأبراج العاجيّة، الذي يتعرّض للصفع بأكثر المناسبات على أرض الملعب دون أن يحرّك ساكنًا، حتّى أنني بعد نهائي فلوريدا، والحالة التي ظهر عليها بدموع الضُعف، قلتُ لنفسي إنّ رحلته مع المنتخب يجب أن تنتهي، فالرجل غير محظوظ من جهة ومن جهة أخرى غير جدير بشخصيّة القائد التي يبحث عنها الشعب الأرجنتيني.
تبدّلت الظروف في برشلونة والأرجنتين معاً، خرج لويس انريكي ونيمار وانيستا من برشلونة، تعاقدات عشوائيّة وتخبّطات إداريّة مع تعيين مدرّب غير ملائم لبيئة برشلونة، إضافةً إلى سطوع نجم ريال مدريد مع إدارة زيدان للمنظومة التي اكتسحت أوروبا. فقد الفريق استقراره فجأة. كلّ هذا جعل ميسي في “بوز المدفع”. فإضافةً إلى كونه رجل المنظومة الأوّل من أيّام بيب غوارديولّا، الآن هو مُلزَم بأن يكون رجل الفريق الأوّل داخل الملعب وخارجه. في تلك السنوات، تحديداً مع برشلونة، بدأت ألمحُ في ليو ميسي شيئاً من طيف دييغو مارادونا. تلك الشخصيّة التي طالما بحثت عنها في ميسي فلم أجدها، يبدو أنّ نكسة فلوريدا قد سرّعت ظهورها إلى العلن. إنتهى مونديال 2018 مع كل خيباته على المستويات كافة، وظهر من بعدها سكالوني والفريق الجديد، مدرّب جديد مع عناصر جديدة مستعدّة لشرب الدماء، تدعمها بعض الخبرات.. والأهم من كلّ ذلك أنّ الكلّ مُتَمحْوِر حول ليو ميسي.
إن دقّقنا قليلًا في مستوى الأرجنتين في مونديال قطر، نجد أنّ المنظومة التكتيكيّة أو الفنيّة ليست بالمنظومة الاستثنائية، بل على العكس، ثغراتها أكثر من نقاط الأفضليّة لديها، وبالكثير من الأوقات أُجبِر الفريق على العودة للخلف ولم يستطع التحكّم بنسق المباراة. لكنّ الاستثناء في هذه النسخة بالنسبة للأرجنتين يكمن في نقطتين.
الأولى هي الروح التي يلعب بها الفريق. فالإصرار والجهد المبذول من قبل لاعبي الأرجنتين، جعل الجمهور الأرجنتيني راضياً عن أي نتيجة، لأنه تأكّد أنّ هذا الفريق يقدّم في كلّ مباراة كلّ ما يملك.
والثانية هي التحوّل الكبير بشخصيّة ليو ميسي. فمنذ بداية البطولة، وميسي هو ليس ميسي الودود الذي نعرفه، الضعيف المنهار في فلوريدا بدا أكثر حدّة و تطرّفاً، أكثر قتالاً، أكثر جدلاً مع الحكّام وخشونة وشجاراً مع الخصوم… منذ متى يظهر ميسي ليتجادل مع مدرّب الخصم؟ ويخرج بتصريحات يشتم فيها الحكم والمدرّب ولاعبي الخصم علناً! ميسي اليوم هو ميسي الذي بحثنا عنه جميعاً، ميسي صديق دي بول وباريديس، ولد في الشارع الذي تغطّي الوشوم جسده. ولهذا ازداد إعجابي بميسي أكثر من أيّ وقتٍ مضى.. تخطّيت به مراحل إعجابي وهوسي به كأفضل لاعب بتاريخ الكرة.