واشنطن تعترف بخسارة التموضع التركي والسعودي… وأوروبا تستعجل الحل مع روسيا / لقاء ابن سلمان وميقاتي يفتح الباب لأسئلة حول تغيير في وجهة الدور السعودي رئاسياً/ باسيل للحوار حول مشروع سياسي ينتج التفاهم على اسم الرئيس وتحديد الضمانات/
كتب المحرر السياسيّ
لا زالت تردّدات القمم الصينية السعودية والخليجية والعربية تشغل المنصات الإعلامية والسياسية في واشنطن، ومحاولات استقراء ما بعد التموضع التركي والسعودي على الدور الأميركي في الشرق الأوسط والعالم، حيث تُجمع المقالات في الصحف الكبرى وخصوصاً ما كتبته فاينانشال تايمز ووول ستريت عن أن الحدث السعودي كبير، نفطياً لجهة الإعلان السعودي عن أن النفط في الخليج ليس عهدة أميركية، وكبير استراتيجياً حيث صارت الصين شريكاً في النفوذ في الخليج، وهي أصلاً أكبر شريك تجاري مع دول الخليج، وهذا يعني أن المرجعية في العلاقة الإيرانية الخليجية ستنتقل الى الصين كما انتقلت المرجعية في العلاقة التركية السورية إلى روسيا، وأن التمايز الروسي والصيني عن رأي الشريكين السوري والإيراني، ثبت أنه قادر على احتواء مطالب تركيا والسعودية دون أن تشعر سورية وإيران بالتخلي من الحلفاء، خصوصاً أن الصين وروسيا تشجّعان لغة التسويات والحوار وتقدّمان نفسيهما كضامنين للتفاهمات، والعروض الروسية الصينية لحلفاء كانوا بالأمس هم الأقرب لواشنطن، تأتي بعدما انهكت الحروب هذين الحليفين وثبت أن أميركا ليست جهة يمكن الاعتماد عليها لخوضها أو الوثوق بها للفوز بالحروب.
يأتي التطوّر في حال حلفاء واشنطن متتابعاً ومليئاً بالأنباء السيئة، فالحالة في أوروبا تسير بسرعة الى المزيد من التفاقم، كما كشفت الصحف الأميركية عن ما دار في حوارات الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي صارح الرئيس الأميركي بأن أوروبا يصعب عليها تحمل كلفة الصمود حتى نهاية فصل الشتاء، ما لم تنخرط معها أميركا كشريك في تحمل أكلاف الصمود بدلاً من بيعها الغاز بأربعة أضعاف سعره مقارنة بالسعر الروسي. وإذا لم تكن واشنطن مستعدة أو قادرة على ذلك فالبديل الوحيد هو تسريع التفاوض مع روسيا بحثاً عن حل ينهي حرب أوكرانيا ويُعيد لأوروبا فرص الحصول على الغاز والنفط من روسيا بالأسعار التي يتحملها الاقتصاد والمجتمع في أوروبا.
لبنانياً، جاء الإعلان السعودي عن استقبال ولي العهد محمد بن سلمان لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ليعلن نهاية مرحلة الفيتو السعودي على شخص رئيس الحكومة، وهو فيتو كان ضمن منظور إدارة ظهر سعودية للبنان ولمفهوم التسوية السياسية فيه، وقالت مصادر نيابية تتابع الموقف السعودي إن الإشارة التي يقدّمها الإعلان هي فتح الباب السعودي لخيارات تختلف عن السياسات التي تمّ اعتمادها منذ إنهاء حقبة الرئيس السابق سعد الحريري، والتي كان عنوانها تشكيل جبهة عدائية بوجه حزب الله وحصر الحراك السياسي بهذا العنوان، فيما تشير لغة البيان السعودي الى العودة الى لغة سابقة كان فيها الدور السعودي منفتحاً على التسويات السياسية والسعي للعب دور فيها.
في الملف الرئاسي سجل موقف لافت لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، حيث دعا لحوار اقترحه على حزب الله أولاً، يقوم على التفاهم على مشروع سياسي يتم من خلاله البحث بالخيار الرئاسي وانتقاء الاسم المرشح وتحديد الضمانات اللازمة، بما رأت فيه مصادر تتابع العلاقة بين التيار وحزب الله، انه رغم تأكيد باسيل على رفض ثنائية ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون، وتجديد أسباب رفضه لترشيح فرنجية، إلا أنه بالحديث عن أولوية المشروع السياسي للدولة والضمانات كإطار لبحث اسم المرشح ربما يوحي بتخفيض سقف رفضه لفرنجية إذا توافر هذين العاملين، ويفتح ثغرة في الجدار المسدود.
لم يكن اللقاء بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ورئيس حكومة تصريف الـعمال نجيب ميقاتي في الرياض يوم السبت هو الاول بين الرجلين، فبحسب مصادر مطلعة لـ»البناء» فان ابن سلمان وميقاتي التقيا على هامش قمة شرم الشيخ في مصر، كما التقيا أيضاً على هامش افتتاح مونديال 2022 في قطر. ورأت المصادر أن لقاء السبت الإيجابي مقدمة لفتح صفحة جديدة بين الطرفين، مشيرة الى أن اللقاء يعتبر الأول بين مسؤول لبناني رسمي وابن سلمان منذ العام 2019، معتبرة أن اللقاء شهد تأكيداً سعودياً على استمرار دعم المملكة لبنان وفق الشراكة الفرنسية السعودية التي تظهّرت في تأسيس صندوق فرنسي سعودي للمساعدات الإنسانية للبنان.
وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، استقبل في الرياض، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وجرى خلال الاستقبال استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين. وقد عبّر ميقاتي عن الشكر والتقدير الدائم لمواقف المملكة التاريخية تجاه لبنان والدور الأساسي للمملكة في إرساء المصالحة اللبنانيّة وتكريس مرحلة السلام بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني في مؤتمر الطائف. كما أكد على التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ كل الخطوات التي تمنع الإساءة إلى المملكة العربية السعودية وكل الدول العربية لا سيما منها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وتمّ التأكيد خلال الاستقبال على أهمية انتخاب رئيس للبنان وتنفيذ الإصلاحات التي يتطلع لها الشعب اللبناني والمجتمع الدولي. وأكد ابن سلمان، حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره، وعلى استمرار الدعم الإنساني الذي تقدّمه المملكة وفرنسا للشعب اللبناني الشقيق.
في السياق، جاء البيان الختامي للقمة السعودية – الصينية مؤكداً «الحرص على الإجراءات اللازمة لحفظ أمن واستقرار لبنان»، وشدّد على «أهمية إجراء الإصلاحات اللازمة، والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، تفادياً لأن يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، أو مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات».
اما مجلس التعاون الخليجيّ، فأكد في بيانه الختامي «مواقف مجلس التعاون الثابتة مع الشعب اللبناني ودعمه المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وللقوات المسلحة اللبنانية التي تحمي حدوده وتقاوم تهديدات المجموعات المتطرفة والإرهابية، مؤكداً أهمية تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وعدم تحوله إلى نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدّد أمن واستقرار المنطقة، مشدداً على أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة، فلا تكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها».
ودعا المجلس «جميع الأطراف اللبنانية لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية، والعمل على كل ما من شأنه تحقيق تطلّعات الشعب اللبناني الشقيق في الاستقرار والتقدم والازدهار»، مشيداً بـ»جهود أصدقاء وشركاء لبنان في استعادة وتعزيز الثقة والتعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون، ودعمهم لدور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان».
وكان رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ استقبل ميقاتي في مقرّ إقامته في الرياض، واشار الى ان «الصين مهتمّة بتطوير التعاون مع لبنان في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهي مستمرّة في دعم لبنان بكل ما يحتاج إليه ولا سيما في هذه الفترة، في مجال الطاقة المتجدّدة».
اما ميقاتي فقال «إنّ لبنان يتطلع إلى المزيد من الاستثمارات الصينية في لبنان لا سيما في مجال البنى التحتية، والتي للصين خبرات واسعة فيها». وتمنى «فتح الأسواق الصينية لمنتجات حرفية لبنانية»، وشكر الصين على «هبة تمويل بناء الكونسرفاتوار الوطني».
وتعليقاً على القمة الخليجية الصينية، سأل نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في تصريح له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، «كيف يحق لغيرنا أن يُنوِّع خياراته ويتَّجه نحو الشرق، ولا يحقُّ لنا ذلك في لبنان؟». وكان قاسم أكد: «أننا حريصون كحزب الله على أمرين أساسيين خلال هذه المرحلة، الأول أن يتمّ انتخاب الرئيس بأسرع وقت ممكن، والثاني أن نبقى مواكبين لحاجات الناس ومتطلباتهم كي لا يكون الانهيار كبيرًا». وأردف: «حتى نتمكن من إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن لا بدّ من الاتفاق على مواصفات مشتركة بين الكتل المختلفة، من أجل أن نصل إلى تحديد الاسم الذي ينسجم مع هذه المواصفات»، موضحًا أن «المواصفات ثلاث، هي أولًا رعاية خطة للإنقاذ الاقتصادي المالي، ثانيًا قدرة الرئيس على التواصل والتعاون مع كل الأطراف الموجودين على الساحة، ثالثًا أن لا يكون الرئيس استفزازيًا بل يعمل بهدوء لمعالجة القضايا الخلافية».
اما على خط الدوحة، فالتقى قائد الجيش العماد جوزاف عون نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وشكر عون وزير الخارجية القطري على المبادرات المتكرّرة التي تقوم بها دولة قطر لمساعدة الجيش اللبناني خلال هذه المرحلة.
كما بحث العماد عون مع رئيس أركان القوات المسلحة القطرية سالم بن حمد بن عقيل النابت في علاقات التعاون بين جيشي البلدين وسبل استمرار الدعم القطري للجيش اللبناني بهدف مساعدته على تجاوز الصعوبات الراهنة.
واليوم يزور الرئيس ميقاتي الصرح البطريركي في بكركي في تمام الساعة التاسعة صباحًا للقاء البطريرك الراعي الذي ناشد الحكومة التأني في استعمال الصلاحيّات حرصاً على الوحدة الوطنية، ومنعاً من استعمال البعض هذه الاجتماعات لأغراض سياسية وطائفية، ورأى أنّ أفضل ما يمكن للحكومة العمل عليه، هو تسريع انتخاب رئيس للجمهورية. وطالب الراعي في عظة الأحد بالتوجه للأمم المتحدة ودول القرار لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان، وقال إنه «لا مناص من تدويل القضية اللبنانية بعد فشل الحلول الداخلية».
ورد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان على الراعي مؤكدا ان «واجب القامات الوطنية والروحية إعلان نفير وطني للحوار وليس للتدويل، والمطلوب حماية رأس لبنان لا تسليمه للذبح، وأي مساعدة دولية أو إقليمية مشكورة، لكن تحت سقف السيادة اللبنانية لا شطبها، ولأننا قاب قوسين أو أدنى من الميلاد العظيم المطلوب توطين الحلول لا تدويلها والسير بالحوار الوطني لا الطائفي والقطيعة تدمير لجسور البلد، والحوار النيابي خشبة خلاص لبنان».
واعتبر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بأن «تفاهم مار مخايل مع حزب الله على المحك، وذلك نتيجة القيام باتفاق وعدم تحقق نتائجه». ولفت الى ان «ما حصل كبير جدا ولا يخصّ فريقين في لبنان، ففي بلد في لبنان تعقد حكومة تصريف أعمال لاتخاذ قرارات قسم كبير منها غير ملح بغياب رئيس وبغياب 8 وزراء؟».
وأكد باسيل في حديث تلفزيوني، أنه «لا قيمة لأي تفاهم وطني – لا فقط بين طرفين – يناقض الشراكة المتوازنة، وبعدم احترام الشراكة نصبح بمشكلة ميثاق، ولا يحاول احد تحوير ما قلته إنني قلته عن امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وتحديداً في موضوع عقد جلسات الحكومة لم يحصل الاتفاق مع السيد نصرالله شخصياً، وبالصادقين قصدت حزب الله».
وأشار الى أن «حزب الله ينطلق من انه يريد رئيساً يحمي المقاومة، وأن هناك جبران باسيل وسليمان فرنجية، وانا لست مرشحاً فبقي فرنجية، والحزب حاول إقناعي لماذا فرنجية، وأنا لم أقتنع».
ولفت الى ان «معادلة اما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية او قائد الجيش جوزيف عون مرفوضة، بمعنى أن تخييرنا بين اسمين فقط أمر غير مقبول، والموضوع ليس موضوع سلطة بل موضوع وجودي ولا يمكن فرض تسويات علينا من دون احترام موقفنا. وفي موضوع قائد الجيش الموضوع ليس موضوع اسم ولا يتعلق بالاسم بل يتعلق في أننا نكرّس أن كلّ قائد جيش عندما يصل الى المنصب يصبح همّه برئاسة الجمهورية، والأزمة اليوم ليست أمنية بل اقتصادية ومالية وسياسية فما هو المشروع هنا؟».
وأكد باسيل بأننا «لا نوافق على قاعدة «اختيار رئيس يحمي المقاومة»، فالمقاومة جزء من المشروع ويجب حمايتها لحماية الدولة، والمشروع هو الدولة والهدف هو الدولة، والمقاومة جزء من المشروع، ونريد رئيساً يحمي الدولة ويحمي الشراكة في الدولة ويحمي المقاومة».
واعتبر أن الحوار لينجح بحاجة الى تحضير لأن فشله كارثة ولا يمكن أن تضربني خنجراً ومن ثمّ تدعوني الى الحوار، والجرح كبير وبري يعرف معنى الميثاقية ومن غير المفروض أن يقبل بضربها». اضاف «حرصت وفقاً للاحترام المتبادل بيننا وحزب الله على السير بالورقة البيضاء، بالرغم من انني لست معها فتحاً للمجال أمام الاتفاق، ولكن لا يمكن أن نبقى هكذا وسنعمل جدياً في التيار على أن يكون هناك مرشح جديّ».
ودعا لوضع «ورقة عمل تكون ضمانة للاسم المرشح ليكون رئيساً للجمهورية ومن ثمّ يأتي الضامنون، وثالثاً يأتي الشخص وساعتها عند وجود مشروع واضح نجيّر قبولنا لهذا الشخص».
في المقابل اشار عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قبلان قبلان، الى أن «رئيس التيار الوطني الحر لا يستطيع الاعتراض على جلسة مجلس الوزراء لسبب واحد هو لأنه في عام 1989 الرئيس السابق ميشال عون كان رئيساً لحكومة مستقيلة حكمت البلد لسنتين».
وشدد على أن «رئيس مجلس النواب نبيه بري يريد حوارًا للتوافق على اسم أو أكثر لرئاسة الجمهورية، والأسماء المطروحة حاليًا هي أسماء للحرق ولتضييع الوقت».