الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حقيقة أم وهم وخيال؟
} إبراهيم ياسين
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تضمّن كلّ ما يحقق كرامة الإنسان في الحرية والمساواة وعدم التمييز وحق العمل وحق التعليم والطبابة والعيش الكريم وغيرها من الحقوق الإنسانية.
ولكن يبقى السؤال الأهمّ: لماذا تعاني البشرية والكثير من الشعوب من غياب هذه الحقوق وعدم تمكّنها من الحصول عليها… وما هو السبب وراء هذه المعاناة؟
فمثلاً الشعب الفلسطيني يعاني من التهجير والطرد والقتل اليومي لأبنائه ونسائه وأطفاله وهدم منازله، واحتلال أرضه وممتلكاته وعدم تمكّنه من العيش بكرامة… كما يعاني من التمييز العنصري والإرهاب والقمع الصهيوني اليومي من دون أن يكون هناك أيّ رادع من ما يسمّى «الأمم المتحدة» المعنية بتطبيق ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان!
هذا مثل على معاناة شعب من الشعوب ويمكن لنا أن نسرد الكثير من الأمثلة التي تسبّبَت وما زالت تتسبّب بها الاحتلالات للعديد من الشعوب في العالم…
كالاحتلال الأميركي وأدواته الإرهابية في العراق وسورية وليبيا… وقبلها في فيتنام وفي حصارهم الإمبريالي لكوبا ولفنزويلا ولغيرها… والقائمة تطول في سرقة ونهب الشعوب وقتلها منذ قرون بعيدة… وحتى قبل اكتشاف أميركا ومحاولات توسع أوروبا بحثاً عن بلدان جديدة لأسواقها، وبالتالي لاستعمارها ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها والمتاجرة بهم كعبيد وخدم…
فمثلاً إسبانيا، التي تمكنت من احتلال المكسيك في أوائل القرن السادس عشر الميلادي من خلال توطين أعداد كبيرة من المصابين بمرض الجدري في العام 1521. كان الهدف من ذلك نشر المرض على نطاق واسع في أرجاء المكسيك لكسر مقاومته وتركيع الشعب الذي كان يبلغ آنذاك نحو 30 مليون نسمة، سقط منه خلال بضع سنوات 15 مليون مكسيكي جراء الإصابة بالجدري، أيّ نصف السكان، وتمّ القضاء على مقاومة الشعب وتمّ الأمر للإسبان باحتلال البلاد…
كلّ هذه الاحتلالات التي حدثت على مرّ الزمان كانت تتمّ من خلال طرح شعارات الحرية والإخاء والمساواة وتعليم الشعوب وتطويرها، وحقها في العيش الحرّ على أرضها وفي بلادها… وإبتُدعت لغة جديدة سُمّيت «انتداباً» بدلاً من احتلال. دفعت البلاد وشعوبها ثمنه غالياً حيث تمّ تقسيم وتمزيق بعض هذه البلاد إلى دول ذات طابع طائفي من لون واحد أو إلى عدة طوائف أو مذاهب ذات غلبة معينة… أو قسمتها إلى عدة إثنيات أو قوميات متناحرة وجعلتها دولة واحدة، لتتدخل عندما تقتضي حاجة ومصالح هذه الدول تدخلها…
فكانت تُشعل الحروب والمعارك وتخلق الأزمات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية. والمثال ما يجري في بلادنا…
هذه البلدان كانت تدفع الثمن من حياتها وحياة أبنائها تحت أعين وبصر الأمم المتحدة التي لم تكن تتحرك، ولا كان يرفّ لها جفن واحد في إدانة هذه الدول الغربية والاستعمارية وخاصة الأميركية التي استمرت وما زالت مستمرة في شنّ الحروب على الشعوب والدول الآمنة والمحبة للسلام والرافضة للهيمنة الإستعمارية ولسيطرتها على العالم.
على صعيدنا اللبناني فإنّ شعبنا يعاني من فقدان كلّ الحقوق التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كمعاناته من البطالة وغلاء المعيشة وفقدان الأدوية وحقه الشرعي في الإستشفاء والطبابة والتعليم… وكذلك يعاني من التمييز الطائفي والمذهبي وغياب المساواة والعدالة أمام القانون، ومعاناة المرأة من العنف وفي عدم حصولها على حقوقها في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية… كما يعاني الشعب اللبناني من استشراء الفساد في مؤسسات الدولة، وسرقة أمواله من قبل الطبقة السياسية الحاكمة والفاسدة المستفيدة من وجود هذا النظام الطائفي المولّد لكلّ هذه الأزمات، والذي يعيق تحقيق التغيير الذي ينشده الشعب اللبناني في التخلص من هذا النظام الذي زرعه الاستعمار الفرنسي والذي تستفيد منه منظومة سياسية نهّابة مغطاة بلباس طائفي ومذهبي تعمل لإطالة حياتها وبقائها في السلطة للاستمرار في نهب الناس والبلاد وتكديس الثروات على حساب الشعب وحرية البلاد.
يبقى… كيف يمكن لنا أن نحصل على كلّ هذه الحقوق المهدورة لنعيش بحرية وبكرامة إنسانية حقيقية وبمساواة… إنّ هذا يتطلب نضالاً من كافة القوى الوطنية الحقيقية على كلّ المستويات، من مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة والتحرّر من الاحتلال إلى النضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لتغيير النظام الطائفي في لبنان وإقامة نظام العدالة الاجتماعية والمواطنة والمساواة.