على هامش دعوة باسيل للحوار حول المشروع
ناصر قنديل
– حاول رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في إطلالته التلفزيونية استبدال الجدران التي رفعها خلال مؤتمره الصحافي الذي سبق الإطلالة التلفزيونية بالجسور، التي مدّها دون أن يتراجع عن مواقفه الأساسية من اجتماع الحكومة ومن ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، مضيفاً إليها رفض ثنائيّة قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق سليمان فرنجية. أما الجسور التي قام باسيل بمدّها في السياسة إضافة للموقف الوجداني تجاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وتأكيد تحييده من أيّ اتهامات أو تساؤلات وجّهها نحو حليفه حزب الله، فقد تركزت على محورين: الأول مخاطبة ثنائي حزب الله وحركة أمل بلغة تختلف عن الخطاب السابق القائم على اعتبار التحالف بينهما عقبة أمام التفاهم بين الحزب والتيار، على قاعدة لازمة رافقت خطاب التيار تجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري وحركة أمل بتوصيفهما عائقاً أمام مشروع بناء الدولة الذي ينسبه التيار لنفسه. فتحدث باسيل هذه المرة عن أن “وحدة الطائفة الشيعية لا تقوم على حماية الفساد، بل على مكافحة الفساد، ويمكن أن يكون حزب الله متمسكاً برئيس مجلس النواب، ولكن يمكننا أن نقول نحن والحزب ورئيس المجلس “stop” ونبدأ في الممارسة بالخروج من النهج نفسه”، فاتحاً بذلك الباب للحوار الذي دعا إليه ليبدأ ثنائياً بين التيار والحزب ويصير ثلاثياً بين الحزب والتيار والحركة، تحت عنوان المشروع ينتج الرئيس وليس العكس.
– الوجهة الثانية التي تركز عليها توجّه باسيل وجسوره استهدفت تقديم معادلة ثانية الى جانب معادلة التعامل مع الثنائي كمشروع حلف، وليس كحليف وخصم، أو الحليف وحليف الحليف، والمعادلة الثانية تستبطن السعي لكسر الحلقة المفرغة القائمة بتمسك الحليفين بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية ورفض باسيل للسير بهذا الترشيح، واليقين المشترك بحاجة الحلفاء المفترضين للتفاهم لضمان ما هو أبعد من مجرد إيصال مرشح، لأن لا فرصة لإيصال المرشح الحليف إلا بالتفاهم الذي يمكن أن ينتج عن حوار هذا الثلاثي، بل الأرجح صعوبة إنتاج خروج من المأزق الرئاسي والفراغ القائم بدون انطلاق هذا الحوار الثلاثي ولو بدأ ثنائياً بين الحزب والتيار، وهو ما سبق ودعونا إليه مراراً، بل اعتبرناه الإطار الذي يمكن النظر من خلاله لمفهوم تطوير التفاهم الذي يجمع الحزب والتيار، لأن القضية ليست بنوع وحجم التغيير الذي يطلبه أي طرف سياسي بل بخريطة الطريق التي يمتلكها لتشكيل الأغلبية اللازمة لتحقيق هذا التغيير.
يقول باسيل “الضمانة جزء منها بالشخص، ولكن أيضاً بالمشروع والحل والاتفاق والأشخاص الضامنين”، ودعا لوضع “ورقة عمل تكون ضمانة لاسم المرشح ليكون رئيساً للجمهورية ومن ثمّ يأتي الضامنون، وثالثاً يأتي الشخص وساعتها عند وجود مشروع واضح نجيّر قبولنا لهذا الشخص”، معتقداً أن البحث بالمشروع وضمانات تنفيذه تسهل التوصل لاختيار شخص الرئيس الذي يبقى بذاته مهماً ونوعاً من الضمانة. لكن هذه الأهمية لا يقلل منها الحوار حول المشروع والضمانات الموضوعية الأبعد من الرئيس، بل إن الحوار والضمانات الموضوعية، هي حاصل الخبرة التي يفترض أن التيار خير من تعلم منها خلال رئاسة العماد ميشال عون لجهة أنه يختزن من الصفات بالنسبة للتيار أفضل ما يمكن توفره بشخص الرئيس، لكنه لم يكن كافياً للنجاح بما يسميه باسيل مشروع بناء الدولة، لأن شروط النجاح الإضافية موجودة في مكان إضافي لم يتوافر، لكن موضوعياً يجب أن يعني ذلك ضمناً الاستعداد لتخفيف درجة التشدد بالتعامل مع الأسماء، عندما تتوافر تفاهمات بحجم ما يمثله الثلاثي وضمانات موضوعية. وهذا ينطبق على تشدد الثنائي بالتمسك بترشيح فرنجية وتشدّد باسيل برفضه على السواء، وإلا ما قيمة التفاهم على المشروع إذا كان يعيدنا إلى المربع صفر؟
– معيار اختيار الشخص في حال التفاهم على المشروع هو انطباق صفات يستدعيها تنفيذ المشروع على المرشح، ودرجة الثقة التي يوفرها شخصه، سواء لجهة قدرة الضامنين والضمانات على رفع منسوب التزامهم به، أو لجهة درجة صدق وفائه بالتزامه بالمشروع، فما هو المشروع، الذي يجب أن يُطلب من رئيس جمهورية تحدّد صلاحياته طبيعة ما يجب أن يؤديه، كما تحدد ما يجب على الحلفاء أن يفعلوه في كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء لمنح هذا المشروع فرص التحقق؟ وهنا نتحدث عن مشروع الحد الأدنى المطلوب وطنياً والذي يملك رئيس الجمهورية قدرة المبادرة لتحفيزه، وحق الفيتو لمنع تمرير ما يعطله أو يصيبه بالأذى، والتدقيق هنا يوصلنا بعيداً عن مفردات سجاليّة كالحديث عن صفة رئيس يحمي المقاومة قال باسيل إنه يرفضها. إن أول الصفات المطلوبة بما في ذلك لدى الكثير من الخصوم العقلاء، هي رئيس قادر على فتح حوار وطني حول الاستراتيجية الدفاعية، لكن بنية صافية وحسنة تجاه المقاومة وتقدير دورها وحيازته لثقتها. وهذا التوصيف لا يجب أن يكون موضوع اعتراض لدى أكثرية الأطراف المعنية بإنتاج رئيس للجمهورية، لأن لبنان يحتاج فعلاً إنتاج هذه الاستراتيجية الوطنية للدفاع، لكنه لا يحتاج مَن يدير الحوار حولها والبحث عنها بنية استهداف المقاومة، وسوء النيات تجاهها وانعدام الثقة معها، لأنّ ذلك طريق موصوف للخراب الوطني السريع. والصفة الثانية هي رئيس يفتح حواراً ينهي أزمات العلاقة بسورية طريقاً للتعاون الاقتصادي وحل أزمة النازحين، وترسيم الحدود البحرية خصوصاً، ويملك القدرة والأهلية والثقة التي تخوله النجاح بذلك، والصفة الثالثة أن يكون رئيساً قادراً على فتح حوار بنية صادقة ومخلصة بين لبنان ودول الخليج ودول الغرب حول العلاقة بحزب الله تسعى لوضع قواعد تمنح لبنان التنفس السياسي وتحمي استقراره وتسلم باعتبار قضية المقاومة شأناً من شؤون الحوار الوطني، وتطمئن هذه الدول الى أن لا نيات لدى حزب الله لاستهدافها لا من لبنان ولا من خارج لبنان، وأنه حزب لبناني وطني يضبط أداءه عند حدود المصلحة الوطنية العليا للبنان واللبنانيين. وهذا يستدعي رئيساً يملك ثقة المقاومة ويملك جسور التواصل التي تحفظ له مكانة الاحترام لدى الدول المعنية، أما رابعة هذه المهام فهي بما يتصل ببناء الدولة فخريطة الطريق هي اتفاق الطائف بحرفيته وتطبيق الذي لم يطبق من بنوده، من تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية الى اللامركزية الإدارية، وما بينهما المادة 22 التي تدعو لمجلس نيابيّ خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف، وتطبيق نصوص المادة 95 حول الوظائف العامة وعلاقتها المحددة بدقة وبالتفصيل لجهة كيفية احترامها لكل من معياري الكفاءة والتمثيل الطائفي، وفي قلب كل ذلك خريطة كاملة لإنتاج سلطة قضائية كفوءة ونزيهة ومستقلة، وخريطة موازية للتعافي المالي والاقتصادي، تصلح خطة حكومة الرئيس حسان دياب نقطة انطلاق لها.
– كل الحريصين على لبنان يدركون أن التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر جسر العبور الإلزامي لأي ولادة غير قيصرية للاستحقاق الرئاسي، وكل ولادة قيصرية محفوفة بالمخاطر، كما يدركون ان هذا التفاهم الثنائي إذا حصل يحتاج ليصبح فعالاً في السياسة أن يصبح ثلاثيا بالشراكة مع حركة أمل، ثم يتوسّع ليصير وطنياً، ولذلك فإن كل حريص من هؤلاء يضع صوته في قلب مؤيدي هذه الدعوة للحوار، عساها تكسر الحلقة المفرغة التي تحوّلت الى حلقة مفزعة قبل أيام.