خطاب التدويل لرفع الحصار الأميركي ومنع التوطين ودمج النازحين!
} خضر رسلان
تتردّد عبارة تدويل الأزمة اللبنانية بين فترة وأخرى وتتكرّر المطالبة بها إلى درجة الظنّ بالفعل الى أنّ هناك مجتمعاً دولياً ديدَنه العدل وإحقاق الحقوق ومنع التجنّي والظلم.
فمن هي الدول التي ينشد المطالبون عبرها تدويل الأزمة اللبنانية، وأن تتدخل لحلّ المعضلات التي يعجز الساسة اللبنانيون أن يجدوا لها حلاً بأنفسهم؟ وما هي طبيعتها وأدوارها سواء في ما مضى من سنين أو في المرحلة الحالية؟ وهل هذه الدول هي عامل مساعد أم من العناصر المسبّبة للأزمات اللبنانية المتوارثة بحدّها الأدنى منذ نكبة فلسطين في العام 1948 والتي ما زالت تداعياتها على الساحة اللبنانية حتى يومنا هذا.
في قراءة متأنّية لمضامين الدعوة الى تدويل الأزمة اللبنانية وذلك عبر منظومة دول محدّدة، يُجمع منصفو العالم من دول وقوى وشخصيات، أنهم المسبّبون الأبرز الى جانب النظام اللبناني الطائفي الهجين المنتج للفتن الدورية في كلّ ما يعاني منه الشعب اللبناني. وأبرز الأمثلة لذلك التالي:
1 ـ توطين اللاجئين الفلسطينين
بالرغم من أنّ جميع القرارات الدولية تؤكد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم كحق إنساني متجرّد، وأنّ القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة لمجلس الأمن بهدف التنفيذ، بقي حبراً على ورق، والذي يمنع تنفيذه هذه الدول التي تتمّ مناشدتها بل انهم يعملون وبشكل علني وواضح بالتنسيق مع الصهاينة ودول عربية كثيرة على تدجين الذاكرة الجماعية من خلال إلغاء حق العودة كلياً، وتوطين اللاجئين حيث هم، ولبنان ليس بمنأى عن ذلك.
2 ـ دمج النازحين السوريين
بعد النجاح في التكريس الواقعي لإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وجعل أمر إقامتهم في لبنان رغم عدم توطينهم أمراً مألوفاً تتجه الكرة في الوقت الحالي الى مشروع تدجين جديد للذاكرة إلا أنه يبدو من الأخطر لأنه يمسّ ماهية الكيان اللبناني وتركيبته، وهو العمل على دمج النازحين السوريين ضمن المجتمع اللبناني. وذلك رغم أنّ الكثير من المدن والأرياف السورية يسودها الأمن والاستقرار، وتبدو لافتة الزيارات المكوكية للمسؤولين الأمميين والغربيين المرشحين للعمل في ما يُسمّى تدويل الأزمة اللبنانية وهم الذين يحثون على الدمج، ويرصدون الأموال والإمكانيات الضخمة لتحقيق ذلك، والهدف تهيئة الأرضية لمشاريع مستقبلية سوف تؤدّي في حال نجاحها في حدّها الأدنى تغيير وجه لبنان وتركيبته وهويته.
3 ـ الهيمنة الأميركية على الدولة اللبنانية
أبرز الدول التي تتمّ مناشدتها في تدويل الأزمة اللبنانية هي أميركا المسؤولة الأولى عن كلّ ما يعاني منه الشعب اللبناني. ويمكن اختصار بعضها إضافة الى ما سبق في ملفي التوطين ودمج النازحين في عناوين على الشكل التالي:
أ ـ إشهار حق النقض الفيتو في الأمم المتحدة بعد كلّ قرار ضدّ الكيان «الإسرائيلي» المحتلّ؛ سواء منه إدانة اعتداءاتها ومجازرها كـ قانا وأخواتها أو الطلب بانسحابها من لبنان دون قيد او شرط.
ب ـ الحصار المطبق على قرارات الحكومة اللبنانية ومنعها من تعدّد خياراتها الاقتصادية فضلاً عن استجرار الغاز والكهرباء المصرية او الهبات الإيرانية.
وفي إطار المراهنة على ما يطلق عليه اسم مجتمع دولي تتمّ مناشدته الى ما يُسمّى تدويل الأزمة اللبنانية لا بأس ان يطّلع الشعب اللبناني ويستذكر مآثر هذه الدول بحق لبنان وشعبه حيث تلاعبت به دولتان من أبرز الدول التي تتمّ مناشدتها وهما فرنسا وبريطانيا ومن ثم أميركا في الجغرافيا اللبنانية وجعلاه يخسر بين تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير في 1 أيلول 1920 واندحار «إسرائيل» عن مُعظم الأراضي اللبنانية العام 2000 نحو 172 كلم2 على الشكل التالي:
ـ شريط القرى السبع وأخواتها (120 كلم2).
ـ الشطر الغربي من مزارع شِبْعا (36 كلم2).
ـ الأراضي التي احتلَّت العام 1949 (16 كلم2).
مع مرور الزمن ورغم الوثائق التاريخية الدامغة نجح الصهاينة وما يُسمّى المجتمع الدولي في تدجين الدولة والشعب اللبناني وإفراغ ذاكرتهم حتى من حق المطالبة باسترجاع هذه الحقوق المسلوبة والتي كانت مرشحة للاتساع، وضياع المزيد منها لولا وجود مقاومة حاضرة ومقتدرة تذود بشبابها وشعبها عن الوطن.
في الخلاصة فإنّ أزمات لبنان تتمحور حول مسبّبات خارجية واخرى داخلية…
1 ـ المسبّبات الخارجية، والتي ينبغي ان تكون على رأس الهواجس لدى المطالبين بالتدويل وهو رفع الصوت لفكّ الحصار الأميركي والمطالبة بعودة اللاجئين الى ديارهم ومنع الاعتداءات «الإسرائيلية» والتي بسببها وجد وموجود سلاح المقاومة الضامن لحماية الأرض والثروات الوطنية، ورفض الطلب الحثيث من المجتمع الدولي بدمج النازحين السوريين ضمن المجتمع اللبناني.
2 ـ المسبّبات الداخلية، أبرز أسباب الأزمات الوطنية النظام الطائفي الولّاد للفتن المستمرة. والعمل على إصلاحه دون الحاجة الى تدويل بل المطلوب إرادة وطنية تقبل بنظام انتخابي عادل مساوٍ بين أبناء الوطن فضلاً عن محاربة أبرز داعمي الفساد المتمثل في الوكالات الحصرية وغيرها من العناوين الداخلية التي تضمن عناصر الأمن والاستقرار في البلاد.
في ظل الدعوة المتكرّرة الى ما يُسمّى التدويل ومناشدة دول مسؤولة مباشرة عن كلّ مآسي الوطن… حمى الله لبنان وشعبه وجيشه ومقاومته التي يبقى عليها الرهان في الحفاظ مجدّداً على بقاء لبنان أرضاً وشعباً وكياناً.